زارت مديرة صندوق النقد الدولي، السيدة كريستيان لاجارد المملكة في بداية هذا الأسبوع، ممسكة قبعتها مقلوبة بيدها تريد من المملكة ذات الفوائض المالية المساهمة في ضخ مزيد من الأموال لتغطية هدف ال600 مليار دولار التي أعلن الصندوق أنه بحاجة ماسة إليها لسد الثغرات التمويلية حول العالم، وعلى الأخص في دول الاتحاد الأوروبي. وقد سبق زيارتها تلك قيامها باتصالات وزيارات لدول نامية أخرى تتمتع بفوائض مالية ضخمة، وعلى رأسها الصين، لتطالبها بالمساهمة في هذا التمويل الضخم. وقد فوجئت في مختلف اتصالاتها بهذه الدول أن تحقيق ما تطلبه دون مقابل غير ممكن، بل لا بد أن يكون ضخ تلك الدول لمزيد من الأموال مرهونا بوعد بتصحيح عادل ومقبول لنسب التصويت الممنوحة لكل عضو من أعضاء الصندوق، وبحصول الدول النامية الصاعدة منها المملكة والصين والهند والبرازيل وغيرها على نسب أعلى مما هي عليه حاليا، حتى تعكس التغييرات التي حدثت في القدرات الاقتصادية لهذه الدول، فجعلت حجم اقتصاديات بعضها مقاربا لحجم اقتصاد العديد مما يعرف بالدول المتقدمة، بل وتفوقت بعضها على عدد منها. كل من يتابع الأزمة المالية التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي، والمتمثلة في الديون الضخمة المتراكمة والمستحقة على حكومات العديد من تلك الدول، مع عدم قدرتها الفعلية على السداد - على الرغم من كل الإصلاحات والإجراءات التقشفية التي تبنتها دون أن يكون هنالك تمويل خارجي، سواء من البنك المركزي الأوروبي وصندوق الإنقاذ الأوروبي، أو من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى المساهمات المالية على المستوى الثنائي لدول من خارج منطقة اليورو. وقد مرت خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الأحداث أدت إلى حدوث فوضى في سير أداء الاتحاد الأوروبي. وقد شكك البعض ولا يزال، في إمكانية استمرار منطقة اليورو، وتأكد لدى الجميع دخول الاتحاد الأوروبي في كساد اقتصادي يأمل الكل ألا يطول أمده حتى لا تنسحب تبعاته على أجزاء الاقتصاد العالمي جميعها. ومن حسن حظ الاتحاد الأوروبي أن المديرة الحالية لصندوق النقد الدولي وزيرة المالية الفرنسية السابقة، وهي من عايش بدايات الأزمة الأوروبية وهي الخبيرة بتفاصيل ودقائق كواليس السياسة الأوروبية. لذا فهي تدرك تماما أن حجم الديون أكبر من أن تتم إدارتها داخل حظيرة الاتحاد، وأنه للتعجيل بالخروج من الأزمة لا بد أن يكون هنالك تمويل إضافي خارجي، سواء من خلال الصندوق، أو من خلال تمويل ثنائي مباشر من دول تمتلك فوائض مالية، مثل الصين. لذا نلاحظ قيام رؤساء بعض دول الاتحاد الأوروبي بزيارات إلى الصين؛ طمعا في مساهمتها المالية في حل الأزمة الحالية، وآخرها زيارة إنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا التي لم تثمر إلا وعودا قد تتحقق أو لا تتحقق. وتقوم لاجاراد بالمهمة نفسها في جولتها الحالية، وإن جاءت مغلفة برغبة الصندوق في زيادة ملاءته المالية تحسبا لاحتياجات طارئة من دول الاتحاد الأوروبي أو غيرها. وقد استخدمت في زيارتها للمنطقة، حجة الحاجة لتمويل دول الربيع العربي، في محاولة منها لإقناع الدول القادرة بضرورة التمويل، مع علمنا جميعا بالصعوبات التي تواجهها وستواجهها دول الربيع العربي في الحصول على أي تمويل تطلبه من صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي، وبطبيعة الشروط التعجيزية التي يفرضها عليها الصندوق، مقابل تسهيلات متواضعة يمنحها إيّاها. وفي الوقت الذي يدرك فيه الجميع أهمية التوصل إلى حلول للأزمة المالية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، لكونها مصلحة عالمية قبل وبعد كل شيء ؛ إذ العالم معرض للدخول من جديد في دورة ركود اقتصادي، إن تأزمت الأوضاع في الاتحاد الأوروبي، أكثر مما هي عليه حاليا. والمملكة وغيرها من الدول النامية التي تتمتع حاليا بفوائض مالية، تدرك تماما مسؤولياتها تجاه تلك القضية، خاصة وأن زيادة مساهمتها المالية في الصندوق تدر عليها عائدا ماليا، غير أن هذا العائد يعد محدودا مقارنة بالارتفاع المتوقع لتكلفة الفرصة البديلة (OPPORTUNITY COST) لهذه الزيادة المطلوبة في المساهمة المالية؛ بسبب وجود فرص استثمارية تدر عائدا أفضل، يصعب الاقتناع بعدم استغلالها، بدلا من إيداع هذه المساهمة في صندوق النقد الدولي. لذا فإن تلك الدول تنتظر درجة من الرجحان لكفة المزايا التي تحصل عليها، نتيجة أية مساهمة مالية ستقدم عليها.