تقول غادة السمان: «الكذب البشري، هو الصدق الوحيد». لا فض فوك أيتها الغادة. إنه لحق ما قلت، تغلغل الكذب في حياة الناس حتى بات الكذب هو الصدق الوحيد فيها. لم يكذب الناس؟ والسؤال لا يراد به معرفة أسباب الكذب، فالكذب له مليون سبب وسبب، وإنما المراد هو لم لا يقول الناس الصدق ويتحملون تبعة ما يتلوه؟ لم يفضلون معطيات زائفة يجيء بها الكذب، على أن يحتملوا رهق ما قد ينتج عن صدقهم؟ كيف لهم أن يهنأوا بذلك؟ يردد الناس كثيرا عبارة (حبل الكذب قصير)، بمعنى أن الكاذب لن يلبث أن يكشف كذبه، مهما حرص على التستر، لكنهم في الوقت نفسه يظلون مستمرين في طريق الكذب، غير هيابين من قصر حبله!! والناس يكذبون في كل شيء، في الجلل من الأمور وغير الجلل، ويكذبون على الجميع، على من يعرفون ومن لا يعرفون، وعلى أصدقائهم وأعدائهم، وعلى من يحبون ومن لا يحبون. الناس يكذبون حتى على أنفسهم!! لكن أبشع حالات الكذب، الكذب على الأحبة، أحيانا نكذب على من نحب بحجة حمايته من معرفة الحقيقة التي نعلم أنها تؤلمه، فنخفي عنه الصدق المؤلم ونظهر له الكذب المزخرف بالزيف. وفي الواقع نحن لا نفعل ذلك لمجرد حمايته من معرفة الحقيقة المؤلمة كما نصور الأمر لأنفسنا، قدر ما إننا نفعله حماية لأنفسنا من ردة فعله المؤلمة لنا متى أطلعناه على الصدق الذي نخفيه عنه. وقد ننجح بعض الوقت في بلوغ ما نريد من حماية لأنفسنا، لكن حبل الكذب ما يلبث أن ينقطع بنا فنصل إلى نهايته أسرع مما نتصور، وآنذاك حين تسطع الحقيقة أمام من أردنا حجبها عنه، لا نملك سوى ان نستسلم للوقوع في بئر السوء الذي أردنا أن نحتمي منه. وفي أحيان أخرى، نكذب على من نحب لأننا نريد الاحتفاظ به، فالكذب يغرينا بوعوده المزخرفة أنه قادر على استبقاء الحبيب إلى جانبنا، فنغر بتلك الوعود وننساق وراء الكذب ننسجه كذبة تلو الأخرى، حتى إذا ما استوثق الكذب من سيرنا خلفه وتبين له أنه أحكم حبله على روح العلاقة بيننا وبين من نحب، التفت إلينا مبتسما ابتسامته الصفراء تلوح خلفها أنيابه القاطعة وقد نهشت كل وريد حي كان يغذي علاقة الحب في ما بيننا وبينهم. حين تكتشف كذب من تحب، تبتلعك دوامة من كوابيس المرارة والخيبة، وتغرقك سحائب الحزن، تحزن لسقوط الملاك أمام بصرك، وتحطم التمثال في خيالك، فتود لو أنك كنت في حلم فتستيقظ منه قبل أن تكتشف زيف من وثقت به واطمأننت إليه. وعندما تلسع أعماقك نار الفجيعة، تبحث عن ملاذ تدفن فيه نزف قلبك فلا تجد أمامك سوى دروب الانهيار تتعثر فيها خطاك بمشاعرك المذهولة وأعصابك الممزقة، وبعد أن تختنق بعبرة الخذلان تدرك أن لا مقام لك فتحمل عصاك وترحل. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة