في الوقت الذي يصدر فيه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الأمر تلو الآخر لرفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين أحوالهم المعيشية بكل الوسائل المادية والمعنوية، نشهد جهات أخرى تقوم بعمل العكس، وترهق كاهل المواطن وتضع يدها في جيبه، وذلك بفرض غرامات ورسوم لا مبرر لها. بين فترة وأخرى يجد المواطن نفسه عرضة لغرامات مالية؛ إما أن يسددها خلال وقت قصير أو تتضاعف عليه، بل وقد يحرم من بعض الخدمات البلدية الأساسية. لا خلاف على أن من يخرق القانون أو النظام لا بد أن يتحمل المسؤولية والعقاب، ماديا أم معنويا، حسب أنظمة معروفة وواضحة للجميع. أما أن توضع الغرامات والعقوبات اعتباطا ودون إنذار، ودون معرفة أسبابها ومبرراتها، وتضاعف مرتين وثلاث، وينتج عنها حرمان المواطن من أهم متطلبات الحياة مثل المياه والكهرباء، فهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر وإلى صرخة احتجاج قوية. آخر الاختراعات الخاصة بوضع اليد في جيب المواطن هو ما بدأت شركة المياه الوطنية في تطبيقه منذ فترة، بفرض غرامات أو عقوبات تبدأ من مائتي ريال على كل منزل تجد أمامه بقعة مياه متراكمة مهما كان حجمها، دون البحث في أسباب وجود تلك المياه أو مصدرها. تنص المادة العشرون من النظام الأساسي للحكم على أنه «لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة، وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منه إلا بموجب نظام». وهذه المادة لوحدها تطرح بضعة أسئلة مهمة في مواجهة تلك العقوبات والإتاوات التي فرضتها شركة المياه حديثا. أولا: على أي نظام استندت شركة المياه في فرض هذه الرسوم (أو العقوبات)؟ كيف قررت مبلغ المائتي ريال ومن حددها؟ هل يحق لشركة المياه أن تفرض عقوبات أو رسوما أو إتاوات، وأي بند في نظامها منحها هذا الحق؟ أين العدل في فرض هذه العقوبات دون معرفة أسباب بقع المياه المتراكمة؟ أين العدل في فرض عقوبة مائتي ريال على وجود بقعة مياه صغيرة أمام المنزل بينما سعر خزان مياه كبير لا يتعدى المائة والعشرين ريالا؟ أخيرا من أعطى الحق للشركة بالتهديد بقطع المياه خلال أسبوع إن لم يتم تسديد الغرامة؟.. ظلم بائن لا يقبل به أحد. هدف هذه الشركة هو بيع المياه للمستفيدين، وكلما باعت أكثر ربحت أكثر وتوسعت أكثر، فليس من صالحها إذن، وضع عقوبات على من يستخدم المياه. ومع تسليمنا بأن هناك ضررا في هدر المياه هكذا، وضررا على (سفلتة) الشارع، ومضايقة للمارة، فالأولى أن توضع الغرامة من قبل البلديات وليس من قبل شركة المياه. وعندما صرح به معالي وزير المياه أمام مجلس الشورى بأن الفاقد من المياه في أنابيب شبكة الإمدادات يصل إلى ما بين 20 و50 في المائة، أفلا يحق إذن وضع عقوبات وغرامات على الشركة نفسها لهذا الهدر بسبب سوء شبكتها العامة؟. ثم ألا تعلم الشركة أن غالبية منازل المواطنين تعتمد على الخزانات الأرضية لتخزين المياه العذبة لعدم وجود شبكة إمدادات حديثة، وأنه بعد كل عام على الأكثر لا بد من تنظيف وتعقيم هذه الخزانات الأرضية من الشوائب والأتربة لإبقائها صحية وصالحة للاستعمال. وهذا يستدعي حينذاك شفط المياه المليئة بالترسبات في قاع هذه الخزانات والتخلص منها، مما قد ينتج عنه أحيانا وجود هذه البقع المائية الصغيرة أمام بعض المنازل. فهل يعاقب صاحب المنزل لاهتمامه بالمحافظة على صحة عائلته وجودة المياه التي يستخدمونها في الطبخ والشرب والوضوء والاغتسال؟ وهل هو خطأ المواطن لوجود هذا النقص أم خطأ المسؤولين عن إمدادات شبكة المياه؟ نحن نتفق على أنه يجب على البلدية فرض غرامة على كل من يغسل سيارته بصورة بدائية ويغرق الشارع بالمياه ويضر بالإسفلت، أو من يلقي عمدا بالمياه القذرة في الشارع. أما أن يعاقب المواطن لمجرد وجود مياه ناتجة من أجهزة المكيفات أمام منزله، أو لأنه قام بتنظيف دوري لخزان المياه التابع لمنزله، أو لأن بعض المياه فاضت من الخزان أثناء تعبئته بمياه (وايت أو ناقلة مياه) مشتراه بمال المواطن، أو لوجود بعض المياه الراكدة نتيجة سقيا بعض أشجار الزينة أمام المنزل، أو بسبب انفجار ماسورة مياه أو خلل في عوامة خزان الماء، فهذا لا هو نظامي ولا هو من العدل ولا هو من المنطق. يبدو أن شركة المياه استساغت أمر هذه العقوبات وتمادت فيه، إذ ربما أصبح دخلها من هذه العقوبات أكبر من دخلها من بيع المياه للمواطنين. فقد أخبرني صديق أن فاتورة المياه التي وصلته لشهر ما كانت في حدود أربعين ريالا، بالإضافة إلى أربعمائة ريال غرامات وعقوبات!! مع كل هذه الرسوم والمخالفات والعقوبات، أصبح المواطن زائغ العينين، لا يعرف من أين تأتي اللطمة الجديدة. وأخاف أن تستهوي الأمر جهات خدمية أخرى فتسارع إلى وضع إتاوات وغرامات جديدة، فيتحول المواطن إلى ما يشبه البقرة الحلوب، حتى ينبض حليبها فتريح وترتاح. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة