عنف الخطاب يتراوح في درجاته، فهو يتدرج في عنفه من التهكم والتقليل من شأن المخاطب وأهميته، إلى التجهيل والانتقاص من العلم أو التعيير، وانتهاء بالتهديد والتوعد. ومن يتمعن في الموروث العربي فصيحه وشعبيه، يلحظ مدى انتشار العنف في الخطاب العربي. فمن نقائض جرير والفرزدق الشهيرة، إلى خطب الحجاج وزياد بن أبيه، ووصولا إلى محاورينا المعاصرين أو خطبائنا أو كتابنا ممن يظهرون أمامنا على شاشات التلفزيون أو الكومبيوتر أو على صفحات الصحف أو منابر المساجد. هناك قاسم مشترك بين تلك الخطابات جميعها يتمثل في عنف الكلمة، وعنف النبرة. مما يمكن أن يفسر بغلظة في الحس، وقسوة في المشاعر، وسوء فهم لمعنى الصواب. بلغ العشق للعنف في اللفظ أن صار الناس يسمون أولادهم بأسماء ذات دلالة على العنف، مثل سيف، وحرب، وصخر، وحنش، وليث، وفهد، ونمر، وذيب وغيرها، وقد يكون ذلك في أصله حصادا موروثا عن الأسلاف الذين كانوا يعيشون حياة قاسية قائمة على القتال والغزو المستمر والسلب والنهب مما جعل العنف جزء متأصلا في نفوسهم يستدعونه تأهبا للدفاع أو تغذية لمزيد من الاعتداء. ولكن إذا كنا نجد في طبيعة الحياة القاسية آنذاك ما نبرر به للأسلاف عنفهم، فهل نجد لمعاصرينا تبريرا مثله؟ بعض المعاصرين بات مسيطرا على أذهانهم أن العنف اللفظي ضرورة لبلوغ التأثير المطلوب، وأن الكلام اللين ضعيف لا تأثير له! كما يشيع بينهم تقديس أسلوب التربية بالعنف حيث يرون فيه أداة للتربية الجيدة التي لا يمكن تحقيقها باستعمال اللين. وصاروا يرددون بإيمان عميق قول من قال: (فقسا ليزدجروا ومن يك حازما *** فليقس أحيانا على من يرحم). هم يفخرون بالعنف يرون فيه سمة من سمات القوة والصلابة. كما أن العنف أحيانا يتخذ لدى البعض مفهوما مرادفا للعزة والسلطة، لذلك نجد بعض الناس يأنفون من اللين ويتباهون بأنهم عنيفو القول، ويرون عنفهم محقا لأنهم يوجهونه نحو مذنبين ومخطئين لايصلح التعامل معهم إلا بالإيذاء. وأذكر أني مرة دخلت في حوار مع أحد الكتاب حول استخدامه المستمر للعنف في كتاباته، وكنت أظنه يفعل ذلك خارج إرادته لغلبة الانفعال عليه فإذا به يفاجئني بقوله إنه مؤمن أن هذا النوع من الخطاب العنيف هو وحده ما يجب أن يكون عليه الخطاب المؤثر الفعال، فالكلام اللين أو الخالي من العنف، لا يضير، والكلام الذي لا يضير لا أثر له. وفي ظني أن هذا الكاتب وأمثاله، يغيب عنهم أن العنف في الخطاب، هو وإن أشبع الميول السادية في دواخلهم، إلا أنه ايضا يجلب لهم الأذى، فكما عنفوا سيعنفون وقديما قيل: (جاء شقيق عارضا رمحه *** إن بني عمك فيهم رماح) فلا أحد عاجز عن قذف القنابل اللفظية، فيزداد الشق اتساعا ولا ينفع الترقيع. ولو أن الناس آبوا إلى ما علمهم نبيهم حين قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)، لكان خيرا لهم وأبرك. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة