هل كان بإمكان (الإخوان المسلمون) في مصر أو حزب النهضة في تونس القيام بثورات ناجحة بمفردهم، وهل كان لثوراتهم هذه إن حدثت أن تجذب الملايين من المؤيدين كما حدث في ثورات الربيع العربي؟ الإجابة على هذا السؤال واضحة ويمكن استنباطها من تاريخ طويل من النضال ضد الأنظمة القمعية خاضته تيارات الإسلام السياسي عجزت فيه من تحريك هذه الأنظمة قيد أنملة. والإجابة على السؤال أيضا كفيلة بتبديد المخاوف المبالغ فيها من تحول مصر وتونس وباقي دول الربيع العربي إلى دول ثيوقراطية متطرفة. الأصل في الثورات العربية أنها لم تحدث بدافع ديني بل حدثت من أجل الحرية السياسية والعدالة الاقتصادية كما يذكر الباحث الأمريكي من أصل إيراني (ولي نصر). هذه هي شروط الشرعية الشعبية لأي نظام جديد في المنطقة. لم يسقط نظام مبارك في مصر بسبب الفقر أو البطالة أو الفساد، هذه عوامل مؤثرة، لكنها أيضا موجودة في كثير من الدول المستقرة التي لم تشهد ثورات كالهند مثلا. السبب الرئيسي لسقوط الأنظمة هو تآكل شرعيتها السياسية والشعبية وهو بالضبط ما حصل في مصر التي كان يعترف نظامها السابق على الورق بالانتخابات وبالحريات المدنية وبمبدأ الفصل بين السلطات، لكنه لم يكن يطبق أيا من هذه المبادئ فأصبح مثل لاعب كرة القدم الذي يقبل بشروط اللعبة، لكنه يصر على حمل الكرة باليد أثناء اللعب، مثل هذا اللاعب سيواجه بالكرت الأحمر من الحكم وستؤيد الجماهير قرار الحكم. والحكم هنا قد يكون المؤسسة العسكرية مثلما حصل في تركيا في عام 1980 عندما أيدت الجماهير تدخل الجيش لتقويم المسار ومنع الفوضى وهذا ما سيحصل لأي فصيل سياسي يقبل بالديمقراطية ليدخل البرلمان ثم ينقلب عليها. جزء كبير من شعبية الأحزاب الإسلامية استمدته من كونها ضحية للأنظمة السابقة. أما وقد أصبحت هذه الأحزاب في موضع السلطة فإن نظرة الجماهير لها ستتغير وستكون أكثر نقدا وتمحيصا. ستكون برامج التنمية الاقتصادية والتعليمية هي المطلوبة وليس الخطاب الديني العاطفي. وفي هذا السياق أحسب بأن تيارات الإسلام السياسي التي تملك كوادر مؤهلة من التكنوقراط قد استفادت من الصدمة الحضارية التي أحدثها الربيع العربي وأدركت أولويات المرحلة. أستبعد أن تتحول دول الربيع العربي إلى دول دينية مثل إيران أو طالبان ولا أخشى على الحريات المدنية لشعوب هذه الدول لأنها لن تقبل بديكتاتور جديد؛ سواء ارتدى جلبابا أو بدلة، لكن الخوف هو من عجز النخب السياسية الجديدة من إيجاد حلول اقتصادية وإصلاحات إدارية تشعر العامة بنجاح الثورة.