تسعى كافة المؤسسات لتحديث النظم الإدارية لتطوير أدائها في مواجهة التحديات اليومية العديدة التي تجابهها، وكثير من القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارات العليا للمؤسسات لا تتم إلا من خلال مجالس الإدارة أو المجالس الفرعية في أي مؤسسة خلال اجتماع أعضائها، وهي الاجتماعات التي تعقد عادة بشكل دوري لمناقشة ما يطرأ على المؤسسة من أحداث، ولإقرار ما يتوجب فعله إزاءها. وحفاظا على وقت منسوبي الإدارة يتم إعداد جدول أعمال مفصل تدرج فيه الموضوعات المزمع مناقشتها خلال الاجتماع، ويتضمن في حال وجود خطط استراتيجية أو تشغيلية مهمة كافة التفاصيل المتعلقة بهذه الخطط، وترسل للمشاركين في الاجتماع قبل عقده بفترة ليتمكن الجميع من معرفة ما سوف يناقش، ولكي تثمر الجلسة نتائج إيجابية دون هدر وقت أو جهد أي من الحضور. ولأن النظم الإدارية الحديثة تتميز بالمرونة وتتضمن الإجراءات التي من شأنها مواجهة الأمور الطارئة والعاجلة؛ يتضمن عادة جدول الأعمال بندا يبدو أقرب للشكلية يطلق عليه «ما يستجد من أعمال»، والمفترض في هذا البند أنه مخصص لمعالجة الموضوعات الفردية غير الاستراتيجية، والتي تحتاج لقرار عاجل وتكون مستوفاة من الناحية الشكلية والقانونية، والهدف أصلا من هذا البند إضفاء المزيد من المرونة والفعالية على هيكل المؤسسة الإداري. غير أنه وبكل أسف أصبحت هناك ظاهرة يمكن أن أطلق عليها ظاهرة «ما يستجد من أعمال»، وهي الظاهرة التي تفشت بين كثير من المؤسسات والمجالس، والتي حولت هذا البند الشكلي لسلاح نافذ بيد كل مسؤول يعتقد أن له سلطة البت والفصل في قرارات المؤسسة المهمة والمصيرية. وتتنوع الخطط التي يتم بها تطويع بند «ما يستجد من أعمال» لتمرير قرارات بعينها، ولإضفاء صفة الشرعية عليها من جهة أخرى، فتارة يدرج تحتها رئيس المؤسسة أو المجلس كل البنود التي يريد اتخاذ قرار بشأنها ويعرف أن ثمة من سيستفيض في مناقشتها، فتجنبا للنقاش والاستفاضة يتم اعتبار هذا البند أحد الأمور التي استجدت على الاجتماع، وتطلب حسمها اتخاذ قرار سريع ووقتي ولا تتحمل إرجاء أو ترويا، وهو ما يعرف إداريا «بسلق القرارات». وتارة أخرى يتم استخدامه كسلاح لتقليل حضور أفراد بعينهم من حضور الاجتماعات المهمة، فعند إعداد جدول الأعمال لا يتم إدراج بنود معينة في الجدول عن عمد، وعند عرض جدول الأعمال على المشاركين الذين لا يفضلهم المسؤول فهم سيجدون جدول الأعمال خاليا من الأمور الاستراتيجية التي تتطلب وجودهم، وقتئذ قد يضطرون للاعتذار عن الحضور إن كان لديهم ارتباطات مهمة ومسبقة، وعندها يستطيع مسؤول تلك المؤسسة تمرير قراراته أيضا عن طريق إدراجها تحت بند «ما يستجد من أعمال». كما قد يلجأ البعض لإرجاء البنود المثيرة للجدل أو التي من المحتمل أن تتعارض مع رغبة المسؤول، وإدراجها أثناء الاجتماع تحت بند «ما يستجد من أعمال» وعرضها في آخر جدول الأعمال لضمان أن تكون طاقة الحضور قد استنفدت بالكامل في نقاشات أخرى، ويكون التعب والإرهاق قد نالا من الجميع، ووقتها يتم طرح تلك القرارات المثيرة للجدل، ويتم استعراضها سريعا دون كثير من الانتباه أو التركيز.. تتداخل عادة طرق التلاعب ببند «ما يستجد من أعمال» وتستخدم جميعها كخطة واحدة متعددة الأبعاد، لذلك أهيب بجميع السادة المسؤولين، كل بحسب منصبه، أن يصدر قرارا ملزما لجميع مراكز وفروع المؤسسة التي تتبعه بعدم السماح بإدراج القرارات الإستراتيجية (وبخاصة المتعلقة بالخطط المهمة وتلك التي تخص الصالح العام) تحت بند «ما يستجد من أعمال» تلافيا لإساءة استخدامه ومنعا للتلاعب به. * أكاديمي وكاتب صحافي. [email protected]