لم تعد لعبة البيانات الحقوقية تحظى بذاك الوهج الذي كان يحيط بها في السابق، بعد أن تمادى محترفوها في محاولات التذاكي على الناس، وتغطية أهدافها الحقيقية بجملة من الشعارات الحقوقية الرنانة، والتنويع في مرجعيات الموقعين عليها، كحال البيان الأخير، الذي بدأ مرتبكا، ولا تكاد تفرق بينه وبين أي مقال يكتبه صاحب هوى، وإن (بصم) عليه نحو ستين شخصا، تكررت أسماؤهم في بيانات سابقة بعضها يناقض بعضا، فقد سبق وأن طالبوا قبلا بمحاكمة بعض المحتجزين على ذمة قضايا إرهابية، وبعد أن تمت محاكمتهم، وإدانتهم بالتهم الموجهة إليهم، يجيء البيان الأخير ليطالب لا بالتخفيف من هذه الأحكام، ولا بالتماس العفو عنهم، ولا بإعادة محاكمتهم، بل (إيقاف هذه الأحكام وإطلاق سراح جميع المعتقلين في تلك القضية، هكذا، وبراء الأطفال في عيونهم! والحقيقة أن قارئ البيان لا يحتاج إلى كثير عناء ليفهم أن القضية لا تتعلق بما عرف ب(خلية الاستراحة)، وإنما زج بها للتغطية على الهدف الأساس من إصداره وهو الدفاع عن مجموعة من المجرمين المتورطين في أحداث القطيف، ممن حملوا السلاح ضد الدولة، وأطلقوا النار على رجال الأمن، وأصابوا اثنين منهم، في جريمة أدانها أهل القطيف، قبل أن يدينها السعوديون في كافة أنحاء الوطن، ومحاولة تحميل قوات الأمن المسؤولية عما جرى هناك، كما يظهر بشكل صارخ في مواضع كثيرة من البيان. فكيف بالله نفهم أن يدين الموقعون على البيان استخدام السلاح، وفي الوقت ذاته يدافعون عمن حمل السلاح ضد سلطة الدولة أو خطط لحمله، أو مول من يحمله، بل ويصفون بعضهم ب(الضحايا) وبعضهم الآخر ب(الإصلاحيين)! وكيف نفهم أن يرفض الموقعون على البيان أحكام القضاء فيما عرف إعلاميا بقضية (الاستراحة) وفي البيان ذاته وبعد بضعة أسطر يطالبون ب(لجنة عدلية) للتحقيق في أحداث القطيف؟ فمن يضمن أن يقبل هؤلاء نتائج عمل هذه اللجنة التي يطالبون بها، وهم الذين رفضوا أحكاما صادرة من محاكم شرعية، ووصفوها ب(الجائرة) و(بالغة القسوة)، وطالبوا ضمنا وصراحة بإلغائها. ويذهب البيان بعيدا في محاولة التدليس على الناس، فعند الإشارة إلى وثيقة (شركاء في الوطن) يتبعها بالقول (التي طرحها المواطنون في المملكة)! والجميع يعلم أنها وثيقة فئوية وقع عليها بضع مئات فقط من أبناء القطيف، فكيف يتجرأ مصدرو البيان وينسبونها إلى (المواطنون في المملكة)؟ ويتجاهل البيان، الذي كتب بلغة تحريضية متحيزة، كل ما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية من إنجازات كبيرة في مجال حقوق الإنسان في بلادنا، ويحاول بشكل مستفز، ولا يحترم عقول الناس، أن يصور الأمور وكأنها سائرة باتجاه معاكس، وهذا فيه تجن صارخ، ومجحف، يكشف النوايا الحقيقية، والخلفيات المريبة، للموقعين عليه. أخيرا .. كنا نتمنى أن يتحلى الموقعون على البيان بالشجاعة الكافية التي تجعلهم يعلنون صراحة، ودون مواربة، اصطفافهم مع المجرمين، والإرهابيين، الذين يدافعون عنهم، بدلا من (التلطي) وراء شعارات حقوق الإنسان، والمطالب المشروعة، التي إن كانوا حقا يريدون التقدم فيها مترا واحدا، فالدولة تريد التقدم كيلو مترا، ولكن الأمر لا يمكن أن يتحقق دفعة واحدة، وما دام أن قطار الإصلاح قد انطلق، فحتما سيصل إلى الأهداف التي يتطلع لها قادة هذه البلاد ومواطنوها.