لم تغب هموم العالم العربي عن بال القاهرة حتى وهي تمر في أحلك ساعات ليلها ظلاما. ففي نفس اللحظة التي كان فيها الشباب المصريون يخوضون غمار الموجة الثانية من الثورة في ميدان التحرير الأسبوع الماضي، كانت القاهرة تحتضن اجتماعات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية واجتماعات اللجنة التنسيقية لوزراء الخارجية العرب لمناقشة ملف العقوبات على النظام السوري. هو مشهد مليء بالتناقضات ولكنه يلخص العلاقة الكبيرة والأزلية بين مصر والعالم العربي. يضع العرب اليوم أيديهم على قلوبهم خوفا من غياب اضطراري لمصر وهم يسترجعون ذكرى أيام سوداء غيبت فيها مصر عن المسرح العربي بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل وكيف فتح هذا الغياب المجال لمجموعة من الأقزام كصدام حسين لتصدر المشهد بالعنتريات والجعجعة. ويتذكرون فترة قريبة خلال العشرة أعوام الماضية عندما فضل الرئيس المخلوع حسني مبارك التقوقع بمصر عن محيطها العربي وإدخالها في عزلة اختيارية تاركا المملكة وحيدة تواجه أمواجا عاتية في عالم عربي تحتل أمريكا جزءا منه وتعبث إيران في أجزاء أخرى. أرسل هذا المقال إلى الصحيفة في اليوم نفسه الذي يتوجه فيه المصريون إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات حرة منذ ثورة يوليو 1952م والله وحده يعلم كيف ستمضي الأمور. قبل 10 أشهر كان الجميع يترقبون اللحظة التاريخية التي سينتخب فيها المصريون ليعلنوا القطيعة النهائية مع النظام السابق. لكن اليوم تبدو الأيام الأولى للثورة وكأنها ذكرى لحلم جميل وتبدو تقديرات البداية مليئة بالرومانسية الثورية. فعلى أرض الواقع هناك الكثير من الخوف من مذابح وإنفلات أمني خلال الانتخابات وهناك شكوك في قدرة الجيش والأمن على تأمينها. بل إن المشهد برمته شديد الغرابة إذ إن هناك ثورة ما زالت قائمة في التحرير ضد نظام يشرف على انتخابات من المفترض أن هذه الثورة هي من جلبتها.. ولا أكون مبالغا عندما أقول بأن اهتمام العرب بالانتخابات في مصر قد يفوق اهتمام بعض المصريين بها. قبل نحو عامين نشر عالم الاجتماع والسياسة الأمريكي والبرفيسور في جامعة ستانفورد لاري دياموند بحثا بعنوان «لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية» ذكر فيه أن نجاح دولة واحدة ينظر إليها العرب كمثل أعلى في التحول الديمقراطي سيقود إلى نشر الديمقراطية في العالم العربي. وفي الواقع لن يكون هناك مثل أعلى ورائد أفضل من مصر. وإذا ما تعثرت الانتخابات في مصر وأفرزت برلمانا مشوها وغير فاعل فإن هذا سيكرس لمرحلة جديدة من الاستبداد في العالم العربي. استبداد يستمد شرعيته من الانتخابات (Electoral Authoritarianism) تماما كما هي الحال في دول مثل روسيا وفنزويلا.