لم يعد « الربيع» أغنية في حنجرة فريد الأطرش رحمه الله فحسب ، فانطلاق ثورات الربيع العربي لدى دول لم تحترم حقوق مواطنيها في كافة الأصعدة أشعلت غضب شعوبها التي انتفضت سلاحا وغناء، في ليبيا وتونس كان الأمر في شوارع الثورة جادا مع الفرق الواضح في سلميتها تونسيا وتسليحها وحربها المعلنة من الطرفين في ليبيا رغم بعض الغناء من طرف القذافي واتباعه في أغنيات وأناشيد حماسية خلقها أتباعه والتي كان منها « زيد ثاني زيد . . ، طز مرة ثانية في أمريكا وبريطانيا»، وماشابه من أناشيد الميادين وقت الحرب ، بينما استندت ثورة مصر على أغنيات الوطن وسابقها من الثورات وأغنيات المعارك حيث عادت أغنيات « حبيبتي يامصر ، صورة . . كلنا كدة عايزين صورة تحت الراية المنصورة» ، ولأم كلثوم « أنا إن قدر الإله مماتي ، أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا» وغيرها الكثير من أغنيات الحماسة ، ورغم ذلك لم يكن طابع الثورة المصرية غنائيا مثلما حدث ويحدث اليوم في ثورتي اليمن وسورية التي مازال الغناء والإنشاد هما عمودها الفقري. فالمشاهد والمتتبع عبر الفضائيات يلمس إلى أي حد يحرك الغناء وتحرك الموسيقى تلك الجموع في شوارع اليمن وسورية، فمنذ انطلاقة الثورة في اليمن كان الفن والغناء والإنشاد في كل الألوان بما فيها التراثي هو محرك الشارع والمتتبع لخطى الثوار إلى الدرجة التي جاء فيها الفنان اليمني غير المقيم أحمد فتحي إلى اليمن، وارتهن إلى فنه وموسيقاه، إلى جانب فنون التراث اليمني في الغناء الحماسي ليكون واحدا من أبناء الغناء الذي يقود تلك الثورات. أما في سورية فالأمر يفوق كثيرا حماس الغناء في اليمن حيث خرج كل غناء الثراث الشامي وموسيقاه إلى الشارع بشكل أكثر جماعية فتحولت أغنيات العاطفة بما فيها أغنية الأم الأشهر في الشام « يامو . . يامو ياست الحبايب يامو . .» التي تعلمناها في بداية سبعينيات القرن الماضي من دريد لحام وذياب مشهور إلى أغنية وطنية ترددها الشوارع وأمواج البشر فيها وربما كانت الجمعة الأخيرة « أمس الأول» جمعة الغناء الأشمل في شوارع الشام حيث ضمت وبشكل واضح أناشيد مقام « الصبا» الأكثر حزنا . وبهذا يتضح لنا أن ثورتي سورية واليمن ارتكزتا بالفعل على إرث غنائي ثري؛ إذ مايلبث أن ينتهي قائد الغناء الجماعي من تركيب كلام « ثورجي» جديد للحن موسيقي قريب من الناس حتى يدخل في الآخر وهكذا. فاصلة ثلاثية للراحل محمد الثبيتي : أدر مهجة الصبح حتى يئن عمود الضحى وجدد دم الزعفران إذا ما امحى أدر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوء بين الصدور وبين اللحى.