هكذا كان ممتطياً جواده قافزاً به كل الحواجز، مغامراً به في كل المفاوز كأمهر الفرسان واشجع المقاتلين بذلك الصمود الساكن الهاديء هدوء نسمات الصيف العليل، أنه احد فرسان الكلمة المضمخة بكل عنفوان ابن الصحراء ذلك العنفوان الذي أراد أن يكسره بذلك "الوجع" الذي دخل أبجديته منذ أن عرف تشكيل الحروف فلم يكن جديداً عليه ذلك "الوجع" الذي أصبح رفيقاً له يعانقه هذه الأيام عناق المحب، ولكنه سوف يتمرد عليه كعادته بإذن الله . إصح يا محمد فلازال صوت "هوازن" يصرخ أثبت يا ثبيتي: أدِرْ مهج الصبحِ صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ يدير الرؤوسْ وزدنا من"....."حتى تفيء السحابه أدِرْ مهجة الصبحِ واسفح على قلل القوم قهوتك المرّةَ المستطابهْ أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا ثم هات الربابةَ هات الربابه : الأديمة زرقاء تكتظ بالدما فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى ويهمي على الصحراء غيثًا وأنجما فنكسوه من أحزاننا البيض حُلةً ونتلو على أبوابه الحِمى ألا أيها المخبوء بين خيامنا أدمت مطال الرمل حتى تَورّما أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا وَمُدَّ له في حانة الوقت موسما أدِرْ مهجة الصبحِ حتى يئن عمود الضحى وجدّدْ دم الزعفران إذا ما امَّحى أدر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوءِ بين الصدور وبين اللّحى . أيا كاهن الحي أسَرَتْ بنا العيسُ وانطفأت لغة المدلجينَ بوادي الغضا كم جلدنا متون الربى واجتمعنا على الماءِ يا كاهن الحيِّ هلاّ مخرت لنا الليل في طور سيناء هلا ضربت لنا موعدا في الجزيرهْ أيا كاهن الحيِّ هل في كتابك من نبأ القوم إذ عطلوا البيد واتبعوا نجمة الصبحِ مرّوا خفافا على الرمل ينتعلون الوجى أسفروا عن وجوه من الآل واكتحلوا بالدجى نظروا نظرةً فامتطى علسُ التيه ظعنهمُ والرياح مواتيةٌ للسفرْ والمدى غربةٌ ومطرْ . أيا كاهن الحيِّ إنا سلكنا الغمام وسالت بنا الأرض وإنا طرقْنا النوى ووقفنا بسابع أبوابها خاشعينَ فرتلْ علينا هزيعًا من الليل والوطن المنتظرْ : شُدَّنا في ساعديك واحفظ العمر لديك هَبْ لنا نور الضحى وأعرنا مقلتيكْ واطوِ أحلام الثرى تحت أقدام السُّليكْ نارك الملقاة في صحونا، حنَّت إليك ودمانا مذ جرت كوثرًا من كاحليك لم تهن يومًا وما قبَّلت إلا يديكْ سلام عليكَ سلام عليكْ . أيا مورقًا بالصبايا ويا مترعًا بلهيب المواويل أشعلت أغنية العيس فاتسع الحلمُ في رئتيكْ . سلام عليكَ سلام عليكْ. مطُرنا بوجهك فليكن الصبح موعدنا للغناءْ ولتكن القلب فواحةً بالدماءْ . سلام عليكَ سلام عليكْ سلام عليكَ فهذا دم الراحلين كتابٌ من الوجد نتلوهُ، تلك مواطئهم في الرمالْ وتلك مدافن أسرارهم حينما ذللت لهمُ الأرض فاستبقوا أيهم يرِدُ الماءْ - ما أبعد الماءْ ما أبعد الماءَ!! - لا .. فالذي عتّقته رمال الجزيرةِ واستودعته بكارتها يرد الماءْ يا وارد الماءِ علَّ المطايا وصبّ لنا وطنًا في عيون الصبايا فما زال في الغيب منتجع للشقاءِ وفي الريح من تعب الراحلين بقايا إذا ما اصطبحنا بشمس معتقةٍ وسكرنا برائحة الأرض وهي تفورُ بزيت القناديل يا أرض كفِّي دمًا مشرَبًا بالثآليلِ