في مقال سابق وبمناسبة توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لعلاج انزلاق غضروفي في إحدى فقرات الظهر قلت إن ظهر الملك عبداللة يحمل هم أمة بأكملها إلى جانب هم وطن يريد أن يرفعه إلى أعلى الدرجات ويؤمن حاضره ومستقبله بمشيئة الله، وما حزمة الأوامر الملكية التي صدرت بالأمس وبعد بضعة أيام من مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد إلا دلالة واضحة على أن هذا القائد الملهم يستمد إلهامه من توفيق إلهي ونعمة من الله أنعم بها على هذا البلد الأمين ليبقى أمينا آمنا وفي أيد أمينة، وهذا التوفيق المبني على حسن النوايا والإخلاص في تحمل الأمانة العظيمة هو ما يجعل قرارات هذا الملك الصالح تتسم بالحكمة والسداد وبعد النظر ويحالفها توفيق وقبول واستبشار لأنها تنبع من قلب مخلص وتقودها نظرة ثاقبة ويحدوها نية خالصة لتحقيق الصالح العام دون أن تشوبها مصالح خاصة أو يعيقها تردد أو يؤخرها توانٍ. تلك الحزمة من المراسيم الملكية ماكان لأحد منها أن يخرج قبل الآخر ولا في معزل عنه فهي عدة قرارات في قرار واحد يهدف إلى مواكبة أحداث، لا شك أن أهمها رحيل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز تغمده الله بواسع رحمته، ومتغيرات عصرية جعلت كل حقيبة من حقائب المسؤولية التي بدأت صغيرة في عصر نشأتها أصبحت أكبر بمراحل عما كانت عليه، وأصبح توزيع المسؤوليات أمرا حتميا تقتضيه طبيعة المسؤولية وسرعة نموها. سلمان بن عبد العزيز الرجل الذي لم يكن مجرد حاكم للمنطقة الوسطى أو أميرا لمنطقة الرياض على مدى 56 سنة، بل كان رجل المسؤوليات المتعددة سواء على مستوى العلاقات الدولية من موقعه كحاكم للعاصمة أو العمل الوطني أو العمل الخيري أو حتى فيما يتعلق بشؤون الأسرة المالكة فهو ركن قوي من أركان الأسرة، كما أنه كان ولا زال الصديق للإعلام وللرأي العام والمرجعية التاريخية لكل ما يتعلق بهذا الوطن إلى جانب ما قدمه من عطاء لعشقه الرياض، وخبير في حجم سلمان بن عبدالعزيز عندما يتولى وزارة الدفاع فإنما يجسد تطبيق المقولة الخالدة لخادم الحرمين الشريفين «وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه» وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز بهذا التعيين هو أول وزير لوزارة الدفاع بمسماها الجديد وبهذه العناصر مجتمعة فإنني أستطيع أن أقول إنه (الخبير أول ركن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع) هذا من جانب المسؤولية الجسيمة كوزير للدفاع إلا أن ثمة أمرا مهما آخر في هذا التعيين وهو أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع أصبح عضوا في مجلس الوزراء ورجل مثل سلمان بن عبدالعزيز عندما يحضر هذا المجلس الذي يشرف برئاسة خادم الحرمين الشريفين وتواجد ولي عهده الأمين هو بلا أدنى شك ركن ثالث مهم وأساسي سيكون له دور كبير في ذلك المجلس العامر بكل من فيه. وفي تعيين صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبد العزيز أميرا للرياض انتقال سلس للمسؤولية، فالأمير سطام كان وعلى مدى 45 سنة نائبا لأمير الرياض وعضده الأيمن وليس بالغريب على الإمارة وعلى أهل الرياض وليست مسؤوليات الإمارة بالغريبة عليه، كما أن عضده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد بن عبد العزيز الذي عين نائبا لأمير منطقة الرياض عمل نائبا لأمير منطقة القصيم قرابة عقد من الزمن وعمل مستشارا في وزارة الداخلية مدة طويلة فجمع بين خبرة العمل في الإمارة ووزارة الداخلية. فصل الطيران المدني عن وزارة الدفاع خطوة ضرورية حتمية اقتضتها المتغيرات السريعة وتنامي المهام والمسؤوليات وحجم كل منهما، فعندما ربط الطيران المدني بوزارة الدفاع لم يكن الطيران المدني يعدو ناقلا حكوميا واحدا وأسطولا محدودا ببضع طائرات، لكن الوضع تغير وتطور بشكل سريع على المستوى العالمي وأصبح التنافس في صناعة النقل الجوي محتدما يستدعي استقلالية الطيران المدني بالكامل والتوسع في مجال تخصيص الناقل الجوي والترخيص لمزيد من شركات النقل والسعي لمعالجة مشاكل الناقل الأكبر ليواكب سرعة تطور شركات الطيران العالمية التي لا تقل عن سرعة الطائرات الحديثة نفسها، وبذلك فإن قرار الملك حفظه الله بفصل الطيران المدني عن الدفاع يعكس طموحا ملكيا بأن يحلق الوطن عاليا بذات الجناحين منفصلين، وزارة دفاع متفرغة للذود عن حمى الوطن أرضا وجوا وبحرا تؤمن بمبدأ وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه، وطيران مدني بمستوى طموح وإمكانات وطن لا يرضى بالقليل وتعود الريادة، وتعيين صاحب السمو الأمير فهد بن عبدالله بن محمد آل سعود رئيسا للهيئة العامة للطيران المدني إعلان عن نية لإحداث نقلة نوعية في الطيران المدني كما أن من الحكمة تعيين الدكتور فيصل بن حمد الصقير نائبا للرئيس خصوصا أنه الخبير الهندسي والإداري في هذا المجال. المهام الجسام التي يضطلع بها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد يحفظه الله حتمت أن يتولى زمام رئاسة ديوان ولي العهد رجل بحجم صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز بمالديه من خبرة وكياسة وقدرات على تولي شؤون ديوان ولي العهد. كما أن تعيين رجل بخبرة وكفاءة عبدالرحمن بن علي الربيعان سكرتيرا خاصا لسمو ولي العهد سينعكس إيجابا على جميع الملفات التي تعنى بالوطن والمواطن فالرجل مشهود له بأنه طاقة خلاقة وشعلة نشاط. مجمل القول إن حزمة المراسيم تلك هي خطوط وضاءة ترسمها ريشة عبدالله بن عبد العزيز في لوحة وطن تشع عمقا وجمالا وطموحا وأملا في مستقبل بمثل جمال الحاضر. www.alehaidib.com