سَعِد العالم العربي أجمع بنجاح الثورة الليبية، وقيام نظام ديموقراطي شعبي جديد. وتباينت أعداد القتلى في أتون الثورة بما يقرب من ثلاثين إلى خمسين ألف ضحية، ناهيك عن الجرحى والمصابين. ولكن الهدف الأساسي للثورة قد تحقق اليوم، وبقيت أهداف أخرى، لعل من أهمها إعادة بناء الدولة الليبية من جديد، وتخفيف حدة الاحتكاكات التي قد تظهر بين المناطق والقبائل الليبية، خاصة وأن الكعكة ضخمة، والحرمان طويل. ولاشك أن أي ثورة أو حرب أهلية كما حدث في ليبيا بحاجة في نهايتها إلى وضع حد نهائي للتعبئة والحشد الذي تعرض له شبابها وشيبانها، الذين انخرطوا في الثورة منذ يومها الأول. وبعد الانتصار تحين لحظة الحقيقة وهي محاولة تسريح أعداد كبيرة من هؤلاء الشبان وعودتهم إلى مدارسهم وكلياتهم، وعودة الموظفين إلى وظائفهم، والتحول التدريجي من حياة عسكرية صعبة إلى حياة مدنية هادئة. وسيبقى أعداد من هؤلاء المتطوعين أو الجنود ضروريين لحفظ الأمن والاستقرار في المدن والبلدات الليبية. ولكن الإشكالية هي كيف ينزع سلاح أولئك الشبان، وكيف يتم تسريحهم. خاصة وأن ليبيا تعيش في بعض مناطقها حالة من الفوضى، وخوفا من قيام إمارات متعسكرة في بعض أطرافها. كما أن هناك خوفا من تحول بعض الأحزاب السياسية إلى أحزاب ذات ميليشيات تظل دوما شوكة في خاصرة الحكومة المركزية. ولعل السبيل الأمثل لذلك هي استدعاء معظم هؤلاء المقاتلين لحماية الحدود الجنوبية والغربية لليبيا والقيام بحماية الصحاري الليبية من سطوة المهربين، عبر دوريات دائمة من هؤلاء الثوار بحثا ومنعا لأي عملية تهريب محتملة. ولاشك أن انتقال هؤلاء المقاتلين من المدن إلى المناطق الصحراوية سيعني لهم جزءا من الاستمرار في شظف العيش وصعوبته، في بيئة صحراوية أو جبلية قاسية. وهو ما قد يشجع أعدادا منهم لترك الخدمة أو الرحيل شمالا نحو (المخزن) أو المدن الساحلية، بحثا عن وظيفة أو دراسة، أو تجارة. وهنا، فإن الميليشيات ستضمحل عبر الزمن، وخلال سنة ونصف إلى سنتين، سنجد أن وحدات المقاتلين قد تآكلت ولم يبق منها إلا ما هو جدير بالفعل من الاستمرار في الخدمة العسكرية. وسيكون مثل هذا التسريح عفويا وليس مبرمجا من قبل السلطة المركزية لغياب الجيش النظامي في الوقت الحاضر، والذي بلغ في فترة من الفترات قرابة أربعة وسبعين ألف جندي. الأمر الثاني في عملية تسريح المقاتلين، وهو ذا طابع إيجابي، ما أعلنه رئيس المجلس الانتقالي الليبي في يوم إعلان التحرير، وذلك بإعطاء المقاتلين وغيرهم قروضا ميسرة من البنوك الحكومية، وبدون فوائد. وكذلك زيادة مرتبات الموظفين من العسكريين والمدنيين، وهو ما سيحمل مزيدا منهم إلى التحول إلى الحياة المدنية واستثمار الأموال المتوافرة لشراء المساكن، أو الاستثمار في المشاريع الصغيرة، وكل هذا مما يعزز في تنامي القطاع المدني ومنشآته على حساب القطاع الحكومي أو العسكري. الأمر الآخر الذي تعرض له رئيس المجلس الانتقالي هو تشجيع الشباب على الزواج، والسماح بتعدد الزوجات، وهو أمر قد يبدو للبعض أنه خارج مجال عمل أي حكومة مركزية. غير أنه في بلد فقدت فيه الكثير من الأسر راعيها، فهي بحاجة إلى رجل يقود الأسرة من جديد، ويقلص من الفجوة الحادثة في أعداد الشباب بعد موت الكثيرين منهم خلال سبعة أشهر من القتال في صفوف الثوار. ومثل هذه الإجراءات الاجتماعية هي بلا شك إجراءات إيجابية تساعد في تسريح الشباب من الخدمة العسكرية الطوعية. غير أن شبح الانقسامات القبلية والتنافسات الإقليمية قد يهدد مستقبل ليبيا، وهو ما لا نرجوه، خاصة وأن ليبيا بلد غني يستطيع ضمان الحياة الكريمة لمواطنيه في هذا العهد الجديد. وإذا ما كان هناك فراغ أمني في بعض المدن، أو الأقاليم الليبية، فإن من واجب الجامعة العربية ودولها أن تملأ مؤقتا مثل هذا الفراغ، بإرسال قوات حفظ أمن وسلام عربية إلى ليبيا، فحلف الناتو الذي ساعدت قوته الجوية في دعم الثوار وإلحاق الهزيمة بقوات القذافي وحلفائها، لن يتمكن من إرسال قوات مشاة مسلحة لحفظ الأمن والاستقرار على الأرض. ومثل هذا التوجس من فراغ أمني وعسكري هو ما دفع بالمجلس الانتقالي الليبي بالطلب من حلف الناتو بتمديد مهام عمله في ليبيا حتى نهاية الشهر الحالي. تهانينا للشعب الليبي بنجاح ثورته، وتمنياتنا أن تنعم ليبيا بالسلام والتقدم والازدهار في عهدها الجديد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة