قبل نحو 7 أعوام وفي أثناء زيارة إلى القاهرة، سألت سائق التاكسي وهو مواطن مصري من النوبة كان قد تجاوز الستين من عمره عن رأيه في انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2005م وعما إذا كان ينوي التصويت لمرشح غير الرئيس السابق مبارك. فأجاب بعفوية بالغة بأنه سيصوت لمبارك رغم كل مساوئه عملا بالمثل القائل «قريب تعرفه ولا غريب تجهله». منطق سائق التاكسي الذي يخشى من عواقب التغيير كان حجة من ضمن الحجج التي لطالما تمسك بها المروجون لفكرة أن الشعوب العربية ينقصها الوعي الديمقراطي والانتخابي ولذلك فإن اللاعب المؤثر في أي انتخابات سيكون التيار الديني المتطرف. هذه الفكرة صمدت لفترة طويلة بسبب أنها طيلة عقود لم تتعرض لاختبار حقيقي في المنطقة. إلا أنها تتهاوى اليوم أمام مؤشرات عديدة لعل أبسطها أكثرها وضوحا نسبة الإقبال والمشاركة المرتفعة في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس التي حققت معادلة التمثيل الحقيقي لكافة الأطياف السياسية والاجتماعية بشكل يمنع انفراد تيار وحيد في صنع القرار. فحزب النهضة ورغم فوزه الكبير سيحتاج إلى التحالف مع أحزاب يسارية وعلمانية لتحقيق غالبية الثلثين. وهذا في رأيي سيكون الشكل المقبل لأي انتخابات نزيهة في المنطقة. أي تعدد لا انفراد.. المؤرخ الأمريكي صامويل هنتنغتون يذكر (8) عوائق واجهت الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي والتي شملت أكثر من 30 دولة في الفترة ما بين عام 1972م و1990م. ولم يكن غياب الثقافة الديمقراطية أحد هذه العوائق على الإطلاق. وربما يتفاجأ البعض بحقيقة أن دولا مثل مالي وغانا وأخيرا زامبيا وغيرها من الدول النامية في أفريقيا والتي تحمل تركيبات اجتماعية ودينية وقبلية بالغة التعقيد قد سبقت العالم العربي بسنوات في عملية التحول الديمقراطي. وليس هناك سبب جيني أو ثقافي يجعل الشعوب العربية أقل من غيرها حول العالم. لقد جاء التغيير في العالم العربي في الوقت المناسب تماما بعد أن تلقت قوى الإرهاب والتطرف ممثلة في القاعدة ومناصريها الهزيمة. وستكون الديمقراطية التي تكفل حقوق المحاسبة والمشاركة والتعبير والتي تتماشى مع قيم الإسلام هي خير داعم للاستقرار والتنمية.