شهد اليوم 31 من أكتوبر في العام 1962م، تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتولي وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة في المملكة، والذي يعتبر نقطة تحول في تاريخ القوات المسلحة في جميع تخصصاتها. وخلال السنوات التي قضاها الأمير سلطان في الوزارة شهدت القوات المسلحة السعودية تحت قيادته عهدا من التطور والنماء، واستطاع بجهوده وتحت توجيهات القيادة السعودية بناء نظام دفاعي متكامل لبلاده. كما حقق الأمير سلطان من خلال وزارة الدفاع إنجازات لافتة، ليس فقط في مجالات الدفاع والطيران، بل في مجالات التنمية المختلفة، وخلال العقود الأربعة الماضية كان أخواه الأمير تركي بن عبدالعزيز، والأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائبين له في وزارة الدفاع والطيران، واستطاعا أن يساهما في نجاح خطط الوزارة التي وضعها الأمير سلطان، وتحققت من خلالها هذه المنجزات التي نراها اليوم في هذا القطاع الذي يعد من أكثر الأجهزة العاملة في الدولة فعالية وتطورا واهتماما بالأخذ بجميع أسباب الرقي والتقدم، ووفقا لموقع كتاب «الأمير سلطان»، إنه يعد خامس وزير للدفاع والطيران، حيث تعاقب على الوزارة منذ تأسيسها خمسة وزراء كان لكل منهم دوره في تنظيم الوزارة وتوسعة نشاطاتها وتطوير أدائها. ويعد تعيين الأمير سلطان في عام 1962م، وزيرا للدفاع والطيران ومفتشا عاما أهم مرحلة في تاريخ القوات المسلحة السعودية، مما يمكن وصفه بالعصر الذهبي لهذه القوات بفروعها الأربعة، إذ انتقلت هذه القوات إلى أرقى مستوياتها منذ نشأتها ووصلت إلى مصاف الدول الحديثة. وقد تمثلت جهود الأمير سلطان في تطوير القوات المسلحة في إنجازات كثيرة، أبرزها إعادة بناء القوات البشرية للقوات المسلحة بدعم وتوسعة الكليات، المعاهد، المدارس ومراكز التدريب العسكرية الجديدة، لاستيعاب أكبر عدد من المجندين والشباب المتعلم في مختلف مناطق المملكة، وإرسال البعثات العسكرية والكليات والمعاهد والمدارس العسكرية المتقدمة في كل من بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، فضلا عن إنشاء المدن العسكرية والقواعد الجوية والبحرية ومراكز الدفاع الجوى ومباني مشاريع الكليات والمجمعات الطبية التي تضم القيادات والإسكان والمرافق العامة والخدمات، كالمدارس والمعاهد والمراكز الصحية المتقدمة ومراكز التدريب العسكري والمهني وبناء مقر وزارة الدفاع والطيران ومركز عمليات الدفاع الوطني. وحظيت القوات البرية التي تعتبر العمود الفقري للقوات المسلحة، باهتمام خاص من الأمير سلطان، حيث زودت بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية لمختلف الأغراض الميدانية والمهمات القتالية والإسناد، ولا تزال خططها تتجدد يوما بعد يوم لتساير الزمن تحديثا وتطويرا ونموا لتأخذ مكانها اللائق بين فروع القوات المسلحة الأخرى. ومع تطور التقنية الحديثة واستخدامها الطائرات العمودية مما مكنها من الطيران والقتال على مدار الساعة ليلا أو نهارا، وفى جميع الأحوال الجوية أصبحت الطائرات العمودية سيدة المعارك الحديثة بفضل ما تتمتع به من مرونة وقدرة قتاليه عالية. ونظرا للتطور الذي شهدته القوات المسلحة السعودية خلال العصر الذهبي منذ تولي الأمير سلطان بن عبدالعزيز مسؤولية وزارة الدفاع والطيران فقد وضعت خطط إنشاء طيران القوات البرية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى للقوات العسكرية، وصلت أول دفعة من طائرات صقر الصحراء وتضم طيران القوات البرية حاليا طائرات الأباتشي الهجومية المتطورة التي أثبتت فعاليتها في عملية عاصفة الصحراء لتحرير دولة الكويت، كما يتولى طيران القوات البرية اكتشاف وتثبيت وتدمير قوات العدو باستخدام النيران وتولي الإسناد القتالي والإدارة في العمليات المنسقة كجزء من القوات البرية ويلعب دورا رئيسا في ميدان المعركة مثل الهجوم والاستطلاع والأمن والاقتحام الجوي وتنفيذ العمليات الخاصة والقيادة والسيطرة، ولا يزال طيران الجيش مستمرا في الأخذ بأحدث معطيات التقنية الحديثة وهو في تطور مستمر. كما شهدت القوات المسلحة في عهد الراحل توسيع القاعدة الصناعية للمصانع الحربية وتحويلها إلى مؤسسة عامة للصناعات الحربية لتمكينها من المشاركة مع القطاع الخاص في التصنيع المشترك، واعتماده لبرنامج التوازن الاقتصادي مع الدول المصدرة للسلاح وأنظمة الدفاع بأن ينفق 35 في المائة من قيمة عقود التسليح والمشاريع الدفاعية في المملكة العربية السعودية، بموجب مشاريع صناعية متقدمة مشتركة مع القطاع الأهلي السعودي والمؤسسة العامة للصناعات الحربية، وهذه خطوة متقدمة في نقل التقنية العالية لم يسبق المملكة العربية السعودية فيها إلا قليل من الدول. وعما تحقق في قطاع الطيران وجهود الأمير سلطان في ذلك، أوضح اللواء طيار ركن متقاعد عبدالله السعدون أن الأمير سلطان صاحب رؤية بعيدة واستراتيجية ثابتة قوامها التطوير المستمر للقوات المسلحة، وخاصة ما له علاقة بالعنصر البشري من تدريب وتأهيل وعناية بالصحة والتعليم والسكن. وقال السعدون «علاقتي مع الأمير سلطان بدأت في كلية الملك فيصل الجوية؛ إذ كنت طالبا فيها، وكان الأمير يحرص على رعاية مناسبات تخريج الدورات شخصيا كلما سمحت له ظروفه والتزاماته الكثيرة والكبيرة بذلك، كما عرفت الأمير سلطان عن قرب أثناء زياراته المتكررة في الأعياد والمناسبات التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر، وكان الأمير خلال جولاته على القواعد والقيادات المتقدمة يحرص على الالتقاء بمنسوبي الوحدات ويجتمع بهم ويوجههم بكلماته الأبوية، كما كان يحرص على افتتاح المشاريع والتجول في كل وحدة وزيارة الأفراد في أماكن عملهم». ويذكر اللواء طيار السعدون، «أثناء حرب الخليج كان لي شرف العمل تحت قيادة الأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة الذي كلفني بإطلاع الأمير سلطان على بعض جوانب سير العمليات الجوية، خاصة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء من كل أسبوع، ورغم ضيق الوقت أحيانا وكثرة المعلومات وتشعبها، إلا أن الأمير سلطان كان يستمع ويستوعب بشكل كامل لمجريات الأحداث». وأبان السعدون أن الأمير سلطان، يرحمه الله، كان خلال حرب الخليج يعطي رأيه الصائب وتوجيهاته في ما يدور من أحداث، وكنت أرى المعاملات والبرقيات تعرض عليه في كل وقت، وقد كان حريصا على إبلاغ الأمر لمن يعنيه وفي أحيان كثيرة يتولى شخصيا إبلاغه. وأتذكر أنه عندما كنت قائدا لقاعدة الرياض الجوية كان الأمير سلطان يتصل عندما يكون الأمر مهما، وأحيانا في ساعة متأخرة من الليل، لقد خصص الأمير وقته للعمل فلا أعتقد أنه كان ينام لأكثر من ثلاث ساعات يوميا، وهو نموذج للمسؤول المتابع والإداري الناجح والرجل الحريص على التحديث والوصول إلى القمة في كل شيء، رحم الله فقيد الوطن والعالم العربي والإسلامي، فقد كان رجلا قياديا حكيما مخلصا للدين ثم المليك والوطن.