مثلما احترق الشاب التونسي محمد البوعزيزي لكي يضيء الطريق لملايين الشباب العرب، فإن دول الربيع العربي الخمس قد تكون شموع بوعزيزية تحترق لتضيء الطريق لبعض الدول العربية. فحتى الآن تبدو مسارات المستقبل للدول الخمس التي ثارت شعوبها غير واضحة الملامح. فمن نجا منها من الحرب لم ينج من الاضطراب السياسي والاجتماعي الكبير ومن نجا من الاضطراب سيقع في حفرة عميقة من المتاعب الاقتصادية. لا يساورني أدنى شك بأن هذه الشعوب ستحصد ثمار هذه الثورات على شكل ديمقراطية وعدالة اجتماعية ورخاء اقتصادي بمشيئة الله لكن هذا الحصاد سيتأخر ربما لخمس أو عشر سنوات على الأقل كما يشير بعض المحللين فالثورة كانت لها ضريبة باهظة الثمن وعلى الأرجح ستحصد الدول العربية التي لم يمر بها الربيع ثماره قبل هذه الدول الخمس. الأحداث الكبيرة كالحروب والأزمات الاقتصادية عادة ما تكون محفزات لتغييرات سياسية جذرية. انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية مثلا، دشن ما يعرف بالموجة الثانية للديمقراطية والتي شملت الكثير من دول العالم حتى التي لم تشترك في الحرب. الربيع العربي كحدث في حد ذاته سيكون محفز لتغييرات تاريخية والتحول الديمقراطي في العالم العربي بما فيها الدول التي لم تشملها الثورات. هناك عدة مؤشرات واضحة على ذلك. الاحتجاجات التي شهدتها المغرب والكويت والأردن إن اختلفت في سقف المطالب إلا أنها تأتي في سياق الربيع العربي. إذ لم تكن هناك مطالبة بإسقاط النظام بقدر ما كانت مطالبة بإصلاحات سياسية جذرية تفعل مبادىء المحاسبة والفصل بين السلطات والمشاركة السياسية وتحقيق حرية الرأي. تجاوب حكومات الدول الثلاث مع هذه المطالب جاء إيجابيا من حيث المبدأ حيث لم يكن هناك إنكار ولا قمع وإن لم تتحقق كل المطالب حتى الآن. الثورات التي كانت عنوان عام 2011 هي آخر وسائل التغيير وليست غاية في حد ذاتها والثمن الباهظ لهذه الثورات قد يجبر بعض الأنظمة والشعوب العربية على التغيير بطرق أخرى. وربما يكون التغيير بالإصلاح الشامل للبنى السياسية والاقتصادية لا الثورات هو العنوان للسنوات المقبلة في العالم العربي.