بين إمهال المعسر إلى حين ميسرة والأضرار التي تلحق بالدائنين في ظل ظاهرة توظيف الأموال، يظل الادعاء بالإعسار أحد المعوقات الكبيرة التي تحجب الحقوق عن أهلها وأكثرها إجحافا من وجهة نظر صاحب الحق الذي طرق أبواب القضاء واستصدر حكما نهائيا لصالحه، ليفاجأ بخصمه يطلب إحالة المعاملة من جديد إلى المحكمة المختصة، لتنظر في إعساره وإمهاله إلى حين ميسرة، وليصبح الدين بين عشية وضحاها طوق نجاة للكثير من المتلاعبين الذين ينجحون بطريقة أو بأخرى في استصدار صك إعسار يجعلهم بعيدين عن طائلة المطالبات، ولا يمكن للدائن أن يسترد أمواله إذا واجهه المدين بصك الإعسار هذا. إن المدين المعسر هو المعذور الذي يقوم برد الدين بعد أن تتيسر أموره، وفقا لقوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)، وليس ذلك الذي يبادر إلى إفراغ كافة ممتلكاته بأسماء آخرين ليثبت أنه معسر ولا يمتلك شيئا، أو يعمد إلى بيع ممتلكاته ووضع قيمتها في حسابات مصرفية ليست باسمه. كثير من هذه القضايا سواء تلك التي ترافعت فيها أو حضرت جلساتها أمام المحكمة العامة في جدة كمحام، لا تزال تفاصيلها عالقة بذهني، قضايا تجارية وأخرى متعلقة بقطاع المقاولات وقضايا عديدة وكبيرة تتعلق بشراء أراض وعقار بواسطة المحررات المزورة والشيكات الفارغة التي لا رصيد لها، غالبا ما تنتهي بإقامة المدين لدعوى إعسار، هذا على الرغم من أن صك الإعسار لا يعني إبراء ذمة المدين وسقوط المطالبة عنه ولا انقضاء الحق، فمتى ما ظهرت أموال لديه يحق لكل دائن المطالبة بدينه تنفيذا للحكم الصادر. ولا يسعنا هنا سوى التنبيه وحث الجميع على توخي الحرص وأخذ الحيطة والحذر وعدم إعطاء حقوقهم للآخرين، إلا بعد أخذ الضمانات والكفالات الكافية كي يضمنوا استعادة أموالهم، والتعامل بالشيكات المصرفية المصدقة عند بيع وشراء الأراضي والعقار، إضافة إلى دفع 5 في المائة فقط من قيمة العقار مقدما والمتبقي 95 في المائة يدفع بعد توقيع البائع على صحيفة الضبط عند إفراغ العقار، والدفع بموجب شيك مصدق لدى كاتب العدل. فالشيكات المصدقة هي قوام التعاملات التجارية، والشيك المصدق المستوفي لكل شروط وأركان الشيك هو شيك شخصي يتضمن مصادقة البنك على صحة توقيع الساحب، ووجود رصيد كاف في حسابه للوفاء بقيمة ذلك الشيك، وحجز المبلغ لصالح المستفيد؛ الأمر الذي يبعث الطمأنينة في نفس البائع أيضا. كما أن الشيك يعد صكا مكتوبا وفق شكل معين بشروط ومواصفات محددة بدقة، يتضمن أمرا صادرا من الساحب إلى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين لشخص ثالث مستفيد يستحق بمجرد الاطلاع، حيث يعتبره القانون أداة وفاء لا ائتمان. سعد بن مسفر المالكي محامٍ ومستشار قانوني