قبل أن نرى نتائج إصلاح شاطئ النورس في شمال جدة فاجأتنا أمانة جدة بمشروع آخر لم يكن في الحسبان وهو إغلاق كورنيش الحمراء في نهاية شارع فلسطين بوسط جدة الذي يحتوي على متحف جدة المفتوح الشهير وذلك بحجة تطويره. حجب البحر في مساحة ثانية أساسية كبيرة من واجهة جدة البحرية أتى كضربة أخرى موجعة لأبناء جدة الذين لم يعد بإمكانهم رؤية شاطئهم، كما اعتادوا في أهم وأجمل موقعين من مدينتهم. أما إعادة ترتيب المتحف المفتوح «فوق تحت» فقد يكون عملا في منتهى الخطورة لما قد يتعرض له هذا المتحف من تلف أو خراب. المتاحف أماكن حساسة بما تحويه من أعمال فنية لا يحسن التعامل معها إلا الفنانون، ولا ينبغي المساس بها أو نقلها أو تحريكها إلا في حالة الضرورة القصوى، بل إنه يمنع لمس التحف الفنية في كل متاحف العالم، بينما تقتصر مهمة المسؤولين عن المتاحف على المحافظة على التحف بشكلها الأساسي الذي أخرجها عليه الفنانون الذين صاغوها مع حمايتها من السرقة أو التعدي. المجسمات الجمالية هي معالم للمدن، وتغييرها أو تحريكها أو إزالتها يفقد المدينة روحها وأصالتها. تصوروا باريس بدون برجها الشهير أو قوس النصر أو لندن بدون ساعة بج بن أو ميدان بيكاديلي أو الطرف الأغر. هل يجرؤ أحد على المساس بالتحف التي نحتها مايكل أنجلو في ميادين روما؟ تخيلوا أن يكلف مسؤول ما عمالا أو مقاولين، مهما كانت مهارتهم، بتجديد الألوان على بعض اللوحات التاريخية القديمة! الفنان الكبير الصديق ضياء عزيز ضياء انتقد بشدة محاولة أمانة جدة (تلميع) بعض المجسمات البرونزية لإزالة ما كساها به الزمن من (أكسدة) أو (تعتيق) هما في الواقع إضافتان طبيعيتان إلى العمل الفني تزيدانه عراقة وجمالا، فجاء عمل الأمانة دليلا قاطعا على جهلها التام بالتعامل مع المجسمات الجمالية مما يدعو الملمين بالفن إلى السخرية والاستهزاء بل إلى الغضب والحنق. من هذا المنطلق تأتي خطورة ما تغامر به الأمانة في منطقة المتحف المفتوح وما نخشى أن تتعرض له مجسمات جدة الجمالية في هذه المنطقة من تشويه أو دمار. كورنيش الحمراء والمتحف المفتوح، في نظري، كان جميلا بصورته السابقة ولم يكن بحاجة إلى عملية إعادة تشكيل كبيرة بل ربما فقط إلى صيانة بسيطة لأرصفته وممراته. وهناك أشياء أخرى كثيرة يحتاجها كورنيش جدة كان يجب أن تعطى لها الأولوية. وأمانة جدة بهذا المشروع لا تضيف جديدا بل تلف وتدور في مكانها وتبعثر مبالغ كبيرة كان يمكن استغلالها في إضافة حدائق أو ساحات أو مجسمات جمالية جديدة افتقدتها جدة منذ سنوات. ما نخشاه هو أن تفقد جدة متحفها المفتوح بعد أن فقدت نظافة بحرها وانفتاح واجهتها البحرية ونكهة منطقتها التاريخية وكثير من مجسماتها الشهيرة. الفنانون في جدة أصبحوا عاطلين عن العمل ولا يستشيرهم أحد، وأبناء جدة يصيبهم الاكتئاب كلما عادوا إليها من الخارج، حتى أن بعضهم اقترح تغيير شعار «ابتسم فأنت في جدة» إلى «لا تكتئب إذا عدت إلى جدة» والأمانة لا تسمع ولا تحس ولا ترى لأنها تعيش في عالم آخر. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة