لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، جاء وقت تلبية النداء الإبراهيمي المبارك: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، فتعالوا نشمر عن السواعد، ونستعد لهذا الفضل المقبل، والاستعداد هنا يبدأ بالنية، بأن نخلصها لله سبحانه وتعالى، متوجهين وقاصدين تلبية نداء الفضل، والسير على هدى وخطى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نخطط لهذا الموسم العظيم، ونرى ما يجب أن نقوم به من الطاعات، فمن كان يقرأ القرآن بصفة دورية فليزد الحصيلة ويجتهد، ومن كان يطلب العلم فليستزد، ومن كان يخصص ساعة للذكر وقراءة الحديث النبوي فليضاعف من جهده، وذلك لكي نستعد لنفحات العطاء والرحمة الإلهية في أشهر الخير، أشهر الحج. ويجب أن نكون أحرص ما يكون على أفعال وأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه الأيام المباركة، وهي منظومة متكاملة تركها لنا مفصلة لكي ننهل منها، فلقد حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع الشهيرة، التي بين فيها جميع ما يجب أن يقوم به المسلم، والمنهاج الذي يتعاطى به مع هذا الفضل، وهنا أذكركم ونفسي ببعض هذه الفضائل الخاصة بالعشر من ذي الحجة وهي أيام فيها خيرات كثيرة، وفضائل جمة، وفي قمة هذه الفضائل فضل صيام هذه الأيام، وقد أوضح صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا من العمل الصالح، وأن هذه الأيام العشر تتميز بأن العمل فيها أحب إلى الله من أي عمل في الأيام الأخرى، حتى إنه رفع قدره وكأنه يعدل الجهاد، فجاء الحديث عن ابن عباس كما رواه البخاري رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)، وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)، وروى ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أفضل الأيام يوم عرفة). وهكذا ندرك جميعا عظم شأن هذه الأيام المباركة التي أقسم بها الله عز وجل وبفضلها في محكم كتابه: (والفجر وليال عشر)، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل فيها أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يرزقنا أجرها والقيام بها بالوجهة التي ترضيه لننال فيها من بركته ونفحاته ورضوانه، ولا يفوتني هنا أن أذكركم ونفسي أننا في هذا البلد الحرام يقع على عاتقنا مسؤولية أكبر من غيرنا من إخواننا في باقي أنحاء العالم الإسلامي، فنحن خدم ضيوف الرحمن، ويجب علينا أن نتحلى بالأخلاق الراقية المتوافقة مع هذا الشرف، وأن نؤدي واجبنا كل في مجاله، مستشعرين عظم المهمة وعظم الشرف الرفيع الذي خصنا الله سبحانه وتعالى به أن جعلنا في خدمة ضيوفه، فما أعظمه من شرف، وما أعظمها من مهمة.