رغم الأجواء المتفائلة التى أشاعها تقرير صندوق النقد الدولي الصادر أخيرا بشأن إمكانية احتواء مشكلتى الإسكان والبطالة في المملكة، بفضل الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، إلا أن الأمر لا يبدو على أرض الواقع بهذه البساطة التي أشار لها التقرير، إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن حوالى 60 في المائة من السعوديين لا يملكون مساكن وأن الإيجارات تلتهم أكثر من 35 في المائة من متوسط الأجور بعد ارتفاعها بنسبة 10-20 في المائة أخيرا، وأن الإجراءات التى تم اتخاذها أخيرا لم تفلح في حلحلة الأزمة على الرغم من تخصيص 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية جديدة ورفع قيمة قرض الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال. وتبدو المشكلة أعمق من وجهة نظرى لأسباب عديدة من أبرزها ندرة الأراضى الصالحة للتطوير ومحدودية مصادر التمويل العقاري وارتفاع أسعار العقارات، وإلى حين البحث عن حلول جذرية لمعوقات التطوير والتمويل والتشريعات التنظيمية والحد من التعديات على الأراضى الحكومية وإقرار نظام الرهن العقاري ستتفاقم المشكلة بشكل أكبر لغياب نظام موحد يضبط الإيجارات واستمرار الطلب بمعدل 175 ألف وحدة سكنية سنويا. أما بالنسبة لمشكلة البطالة فإن الأمور تبدو أكثر صعوبة لوجود أكثر من ستة ملايين عامل يتمسك بهم القطاع الخاص، فيما يوجد أكثر من 1.5 مليون سعودية وسعودي يعانون البطالة، أغلبيتهم من خريجى الثانوية العامة والجامعات التى تضخ سنويا أكثر من 200 ألف خريج لسوق العمل. وعلى الرغم من الإجراءات التى اتخذتها وزارة العمل عبر مشروعها المعروف بنطاقات لإلزام القطاع الخاص بالتوظيف إلا أن التجارب السابقة تؤكد أن المستهدفين بالمشروع من الشركات الواقعة في النطاقين الأصفر والأحمر لن يعدموا الحيلة ولا الوسيلة في التحايل على النظام من خلال استغلال حاجة البعض إلى بعض المال من أجل توظيفهم وهميا لضمان الحصول على خدمات الوزارة والجهات الأخرى. أما بالنسبة لمشروع إعانة البطالة المقدرة بألفي ريال لمدة عام، فالمؤشرات بالنسبة له ليست على ما يرام في ظل استمرار الفحص والتمحيص لعدة أشهر دون أن تبدو في الأفق بارقة أمل على الرغم من تحديد موعد الصرف في محرم المقبل. والأمر الثاني الذى ينبغى أخذه بعين الاعتبار أن هذه الإعانة مؤقتة ولا ينبغى أن تصرفنا جميعا عن إقرار الخطط الكفيلة بتوظيف السعوديين في القطاعين العام والخاص. إن أزمة البطالة ستظل قائمة ما لم تكن هناك مواجهة ساخنة على أكثر من محور أبرزها التصدي لهوامير التأشيرات والعمالة السائبة والحد من التستر الذى حول السعودي في بعض الأحيان إلى محام ومعقب للوافد مقابل حفنة ريالات في نهاية كل شهر. وإلى أن يحين موعد هذا الحلم يكون لكل حادث حديث.