من أجمل وأبسط التجارب التي تجدد تفاؤلنا واستمتاعنا بروائع الخالق والخلق هي النظر إلى الأعلى. جربها الليلة وارفع رأسك وانظر إلى السماء، وستجد عالما آخر بعيدا عن المنغصات اليومية مثل فواتير الجوال، وتنغيص ازدحام المرور، والهرج في الفاضي، وما شابههم. وخلال هذه الأيام بالذات يمتعنا القمر بصورة جميلة فيضيء السماء ليعلن عن نصف الشهر. ولو تمعنت في ما يحمل سطح القمر من قصص ستجد أنها كثيرة وجميلة: أثناء فترة رحلات «أبولو» إلى القمر في الفترة 1968 إلى 1972ترك رواد الفضاء مجموعة من الذكريات على سطحه، وأجملها هي ريشة صقر بيضاء. تركها الرائد «ديفد سكوت» قائد رحلة «أبولو 15» عند فوهة «الكوع» Elbow Crater حيث هبطت مركبته، التي حملت اسم «الصقر». وقصة هذه الريشة هي كالتالي: قرر الرائد أن يبرهن نظرية العالم الإيطالي «جاليليو» الذي عاش في القرن السادس عشر. تقول النظرية أن الأجسام تسقط بنفس التسارع بدون أن يكون لكتلتها أي أثر على معدل سقوطها. والسر في تلك التجربة على سطح القمر كان يكمن في إزالة عامل مقاومة الهواء لإثبات النظرية عمليا. وحيث إن القمر لا يحتوي على أي هواء، فأصبح بمثابة معمل مفتوح لتأكيد أحد الأسس الفكرية لمفهوم الجاذبية. الشاهد أن رائد الفضاء أمسك الريشة بيده اليمنى، وأمسك شاكوشا ثقيلا في اليسرى، وأفلتهما في نفس اللحظة أمام الكاميرا التي كانت تنقل الصورة إلى أكثر من بليون إنسان على كوكب الأرض. وكانت النتيجة كما تنبأ بها «جاليليو» فسقطوا إلى سطح القمر ولامسوه في نفس اللحظة. وتركهما على السطح منذ ذلك اليوم. وروائع الريش كثيرة ومذهلة فهو الجهاز الأكثر تعقيدا لتغطية أسطح الفقريات لأنه يعزل، ويحمي، ويحجب الماء. ولو تأملت في جماله ستجد أن كل ريشة تحكي حكاية. كلها خفيفة ورشيقة في تكوينها فلا زوائد هنا أو هناك. وعندما ترى الريش الصغير «المنكوش»، فهو يمثل أحد روائع العزل الحراري لأنه «يكوش» على كمية كبيرة نسبيا من الهواء ويحجبها عن التيارات. وللعلم فعندما تطير الطيور تواجه تيارات باردة على الارتفاعات العليا، وهذه الكائنات لابد أن تحافظ على درجة حرارة ثابتة تصل إلى حوالى أربعين درجة مئوية. ولو انخفضت حرارة جسم الطيور فستسبب المشكلات لصحتها. وبعض أنواع الريش الأخرى تجدها طويلة كالسكين، وتكون غير متماثلة الجانبين وذلك لتوفر خصائص طيران متميزة لأنها «تداعب» الهواء بطرق ذكية جدا. تخيل أنها من جانب تكون مناطق ضغط منخفض فوق سطح الريشة، و«أقاليم» ضغط مرتفعة تحتها من جانب آخر، وهي إحدى أهم أسرار طيران الطيور، بل وممكن أن نتخيل كلا منها هي أشبه بالجناح الصغير. وهذه هي الأقوى بين أنواع الريش لأنها تكون مجموعة عناصر إنشائية تساعد على تشكيل الكيان الهندسي المتماسك للطائر.. وبالمناسبة فيقدر العلماء عدد الطيور التي تنعم بنعمة الريش حول العالم اليوم بحوالى أربعمائة ألف مليون طير، أي حوالى ستين طيرا لكل إنسان. تخيل عدد هذا الريش. أمنية بدأت فكرة هذا المقال على سطح القمر، وستنتهي على الأرض حيث نجد أن بعض البشر يتخيلون أن لديهم ريشا. تجدهم «ينفشون» ريشهم على الغلابى، بل ويعزلون أنفسهم بذلك الريش عن معاناة البشر كما رأينا في بعض البلدان التي أساءت التعامل مع مواطنيها. أتمنى أن يتذكر هؤلاء أن الشعوب هي العزوة الأساسية للأوطان مهما حاول البعض أن يعزل معاناتهم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة