ينظر بعض العرب إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على أنه فارس الأمة المنتظر الذي سيحرر المسجد الأقصى ويهزم الصهاينة. وينظر إليه آخرون على أنه مجرد تاجر كلام من أزمنة العنتريات يجيد اللعب على عواطف العرب. نظرتان متناقضتان بالتأكيد، لكنهما تستندان على قاسم مشترك وهو الحكم على أردوغان من خلال سياسة تركيا الخارجية ودورها في الشرق الأوسط. وهو حكم محبط من ناحية، لأنه يتبنى تصورا بأن الوطن العربي لابد له من شرطي إقليمي ينظم أموره ويتولى حمايته. وهو قاصر من ناحية أخرى لأنه يركز على جانب السياسة الخارجية ويتجاهل نموذج الدولة التركية الداخلي الناجح الذي يسير بقوة نحو التحول الديمقراطي. أردوغان هو سياسي ذكي ورجل دولة ناجح ولكن نجاحه هذا لم يكن بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية أو بسبب عدائه للصهاينة وإنما بسبب الثورة الصامتة التي قادها هو وحزبه ضد ديكتاتورية العسكر والتطرف العلماني على مدى العشرة أعوام الماضية. تركيا هذا العام خاضت انتخابات برلمانية نزيهة شهدت نسبة مشاركة عالية تتجاوز نسب المشاركة في أمريكا والدول الغربية. ولأنها انتخابات نزيهة وحقيقية في بلد تحكمه مؤسسات وقوانين لن يكون بإمكان أردوغان وحزبه الفائز في الانتخابات الانفراد بقرار تعديل الدستور دون التحالف مع أحزاب أخرى.. قد ينجح أردوغان في مسعاه لتحويل تركيا إلى نظام رئاسي بدلا من النظام البرلماني وبالتالي إطالة عمره السياسي لكنه يوما ما سيرحل عن المشهد السياسي في تركيا كما رحل والده الروحي الزعيم التاريخي نجم الدين أربكان. لن يكون أردوغان نسخة جديدة من الزعيم عبدالناصر ولن يكون سلطانا عثمانيا ولكن تركيا التي أعاد صياغتها ستكون النموذج المسلم الشبه ديمقراطي الأقرب للتطبيق في العالم العربي. العرب يسعون اليوم لاستبدال مفهوم دولة الحاكم الفرد بدولة المؤسسات والقانون وعليه، فإن الجدل لا ينبغي أن يكون حول شخصية أردوغان بل حول نموذج الدولة التركي بمزاياه وعيوبه.