أفرزت الثورات العربية نماذج عجيبة من الشعارات الفكاهية والغرائبية والمبتكرة وقليلة الأدب في أحيان كثيرة، وظهر من بين صفوف الثائرين شخصيات رسخت في ذهن المشاهد العربي من خلال لوحة أو كلمة أو سلوك غريب في أحد ميادين الثورات في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو سورية، هذه الشخصيات لا علاقة لها بالسياسة في السابق ولا حضور إعلاميا لها، عدا ظهورها بالصدفة على شاشة إحدى الفضائيات نقلا عن اليوتيوب أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي. بعض هؤلاء الثوار يمكن تسميتهم ب«ملح الثورة» الذي كان يخفف على الثوار أو على المتابع المتوتر مما يسمعه ويشاهده من تعنت رموز الأنظمة في تلك الدول وممارسات القمع وتلطخ الكثير من الأيدي بالكثير من الدماء التي سفكت وذهبت هدرا. وخفيفو الدم هؤلاء من العوام ولا علاقة لهم بخفيفي الدم الآخرين المنتمين لبعض تلك الأنظمة، الذين يمكن تسميتهم ب«أراجوزات الثورات»، وهم لا يمارسون أي دور فاعل على المستوى الوطني لبلدانهم في الغالب، وإنما يكتفون إما بتزييف الحقائق التي تحدث على الأرض لمحاربة الثوار نفسيا، وإما للتعلق بوهم بقاء الأنظمة حتى الرمق الأخير. ولعل ما حدث في ليبيا في الأيام القليلة الماضية عندما دخل الثوار العاصمة الليبية طرابلس واحتفل الجميع بالنصر الأخير وسقوط نظام القذافي، والقبض على سيف الإسلام ومحمد والساعدي أبناء القذافي، وتأكيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي، وتأكيد أوكامبو رئيس المحكمة الجنائية الدولية لخبر القبض على سيف الإسلام، وما هي إلا سويعات قليلة حتى ظهر سيف الإسلام يضحك ويزور الصحافيين في فندق الريكسوس ويتجول في باب العزيزية وشوارع طرابلس مثل «فرقع لوز» على رأي إخوتنا المصريين لتخرج علينا الفضائيات بأخبار هروب أبناء القذافي الثلاثة وتنطلق مع هروبهم حرب تصريحات «فرار الجرذان»، وبدأ محللو الثورة الليبية على الفضائيات في التشكيك في مصداقية هذه الصور والمشاهد، بل إن أحسنهم حالا قلل من أهمية حدث القبض على سيف الإسلام وإخوته وإنهم هامشيون لا قيمة لهم وهروبهم ليس بالحدث الذي يستحق التوقف عنده، فتذكرت تصريحات محمد الصحاف وحربه على العلوج الأمريكان إبان الحرب على العراق. «أراجوزات الثورة» هم الوجه المقابل للفكاهة التي يصدرها العوام من شوارع وساحات التحرير العربية، ولكنهم لا يقدمون الفكاهة بالمفهوم السياسي الساخر؛ لأنهم يقدمون كوميديا سوداء في الغالب وملطخة بدماء الفكاهيين من العوام والضاحكين على فكاهاتهم وغيرهم ممن لم تتسرب لهم نكات الثورة واكتفوا بالدمع والحزن في سرادق العزاء داخل وخارج ميادين التحرير. «أراجوزات الثورة» الوجه القبيح لرموز بعض الأنظمة والمطبلين لهم ممن لا يجيدون سوى الرقص على جراح شعوبهم، وهم بالتأكيد ليسوا ممن يضحكون أخيرا عندما تسدل الستارة على المشهد الأخير، وليسوا ممن تلتهب الأكف تصفيقا لهم، وليسوا ممن سيحمد لهم التاريخ منجزا مسخوه بالكامل عندما قرروا التعالي على كرامة شعوبهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة