كانت تتحدث وابتسامتها مشوبة بدموع سخية تتساقط من عينيها، وانحنت بجذعها نحو الأرض وهي تجمع وجهها براحتيها وكأنها تشعر بثقل الهم الذي يحمله رأسها، ثم تابعت حديثها وهي تقول: ابنتي ولدت بعد انقطاع الأوكسجين عنها لدقائق، وهي التي أكملت شهرها السابع في بطني، ولم يكن أحد من الطاقم الطبي الذي شارك في عملية ولادتها يتوقع لها الحياة، ولكنها عاشت، وجاءت إلى الدنيا بالكثير من المشكلات، بدءا من مشكلة نموها غير السوي مرورا بمشاكل النطق فيما بعد، وانتهاء بمشاكل ذكائها، كانت هي أول مولود لنا، وبذلت جهدا غير قليل في رعايتها، شاركني أبوها في البداية، ولكنه مل سريعا، وترك أمر رعايتها على كاهلي وحدي، أوقفتها علي أفهم منها أكثر عن الحدود التي توقفت عندها رعاية الأب، فقلت: هل لك أن تعطيني بعض الأمثلة؟ فقالت: في إحدى المرات التي تطلبت إجراء عملية لها، تركني أذهب بها لوحدي إلى المستشفى وهو نائم، فقمت بإنهاء إجراءات دخولها، وبعد أن انتهت العملية جاءني تماما مثل أي زائر جلس مدة نصف ساعة وتركني وإياها، وصارت تسرد العديد من المواقف التي تشير إلى محدودية مساعدته لها في رعاية ابنته، وكأنه يشعر برفضها وضيق صدره من وجودها على سطح هذه الدنيا مع أنها تحمل اسمه، استهجنت سلوك الأب، ودارت في ذاكرتي نماذج كثيرة لآباء من البشر، رفضوا أبناءهم، أحدهم كان يدعو الله أن يأتيه أحد بنبأ وفاة ابنه، أو يراه على نقالة ميتا كما يقول، ويشاء الله أنني وفي اليوم نفسه أرى مقطع فيديو لطائر البطريق خلال رعايته لصغيره، فهو الطائر الذي يعيش في المنطقة القطبية، ويرتحل إلى منطقة التزاوج مسافة تزيد على 150 كيلو مترا مشيا على أقدامه تارة، وتارة متزلجا على بطنه، وفي تلك المنطقة يجتمع آلاف الطيور، ولأن الجليد الذي يقف عليه تنخفض حرارته إلى 50 درجة تحت الصفر، فإن الأنثى تبيض بيضتها على أقدام الذكر، وهي أقدام مغطاة بجلد سميك جدا يعزلها عن برودة الجليد، ثم ينحني الأب على البيضة كي يحيط بها ريشه الذي يحفظ حرارتها ويدفئها حتى تفقس، ويبقى على هذه الحال أربعة أشهر واقفا لا يأكل ولا يشرب، ويصنع مع غيره من الآباء صفا متراصا يديرون فيه ظهورهم للريح الباردة والعاتية كي يحموا البيض، ومن ثم الصغار من قسوتها، وبمجرد خروج الصغير من البيضة يفتح الأب فمه ليمد الصغير منقاره ويتغذى على ما جمعه الأب من طعام في حوصلته، ويقدم البطريق مثلا للأب الذي يبرد كي يدفئ ابنه، ويجوع كي يطعمه، ويتعب كي يريحه، وخلال هذه الأشهر الأربعة تكون الأم في الماء تجمع من الطعام ما يكفي لخزنه في جسمها وحوصلتها، تعود بعدها لتأخذ الصغير الذي يكون قد كبر إلى الحد الذي يستطيع فيه أن يمشي مرافقا لها وتطعمه حتى يكتمل نموه، وبمجرد عودتها يترك الأب الأمانة عندها، ليذهب مع بقية الآباء إلى البحر علهم يعوضون ما خسروه من أوزانهم وما عانوه من جوع من أجل أبنائهم، وقفت أمام هذه الآية الكونية وأنا أتساءل، ألا يمكن أن تكون هذه الحيوانات نموذجا يذكر بعض آباء البشر كم هم بحاجة لتعلم الدروس في الأبوة من طيور البطريق؟ للتواصل أرسل رسالة SMSإلى 88548 الأتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة