عرفت المدارس وربما المعاهد والكليات الجامعية قبل نصف قرن أعمالا صحفية وإعلامية بدائية ولكنها كانت مؤثرة على أجيال من شداة الصحافة والثقافة والأدب، وهي ما كان يسمى بصحف الحائط، التي كان يمارس فيها طلاب المدارس والمعاهد والكليات هواياتهم الأدبية والصحفية، وهي عبارة عن لوحة من الورق الأبيض المضغوط الذي يخطط تخطيطا صحفيا ويحلى بصور الورود ثم تكتب المواضيع بأناقة حسب أهميتها وبخط جميل، ويكون لكل صحيفة من صحف الحائط اسم تعرف به، فإن كانت صادرة من معهد سميت على سبيل المثال «منار المعهد»، وإن كانت صادرة من كلية أطلق عليها اسم «أضواء الكلية»، وهكذا بالنسبة لصحف الحائط التي تصدرها المدارس والمعاهد والكليات وتعلقها على الحيطان الداخلية لمبانيها الدراسية. وكان المجتمع ينظر باحترام إلى ذلك النوع من الصحف وكأنها مجلة «التايم!!» حتى أنني قرأت قبل مدة خبرا في صفحة البلاد أيام زمان عن صدور صحيفة حائطية تابعة لجهة حكومية وليس لمجرد معهد أو مدرسة ثانوية، وأذكر أن الشيخ حمد الجاسر رحمه الله كتب مقالا في إحدى المجلات لعلها «مجلة اليمامة» استعرض فيه بعض ذكرياته عن دراسته في المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة وأن المعهد كان يصدر صحيفة حائطية يكتب فيها شداة الأدب في ذلك الزمان، وأن خطاط الصحيفة كان هو الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار لأن خطه جميل جدا خاصة عندما كان يكتب مواد الصحيفة بخط الرقعة، ولكن الأستاذ العطار استشاط غضبا من مقال الشيخ الجاسر لأنه فسره على أنه انتقاص من حقه كأديب وباحث والاكتفاء بذكره باعتباره خطاط صحيفة المعهد، حتى بلغت الحدة بالأستاذ العطار إلى الحد الذي أخذ يلقب علامة الجزيرة الشيخ الجاسر بلقب حمد «الخاسر»، وكان أستاذنا العطار يتسم بالحدة في معاركه الأدبية، ولكن الشيخ الجاسر لم يرد عليه ومرت المسألة بسلام!، ولولا أهمية تلك الصحف الحائطية في ذلك الزمن لما ذكرها علامة الجزيرة وفاخر بالانتماء إليها ولما أغضب قوله الأستاذ العطار! والآن وقد اختفت الصحف الحائطية من المدارس ناهيك عن الكليات وحلت محلها النشرات المطبوعة، فيما أصبح جهاز الحاسوب والإنترنت هو وسيلة التواصل والمطالعة والحصول على المعلومات، فهل سيأتي الزمن الذي لا تجد فيه المطبوعات الورقية أي موقع لها في الخارطة الإنسانية فتختفي كما اختفت من قبل الصحف الحائطية؟!.. ذلك ما يبشر به بعض أصحاب الجرائد الإلكترونية في محاضراتهم ولقاءاتهم؟! أما الجواب على مثل هذا السؤال العريض فسيكون حاضرا بعد زمن لن يطول!.