في سنوات الزواج الأولى كانت توقن بأن زوجها يحبها والبراهين ناطقة حينها بذلك، ومع مضي السنين لاحظت فتورا في أواصر محبته لها، إنه كثير الخروج من المنزل، لا تسمع منه كلمات حب ولا ترى تودد ولا تشعر بإقبال قلبه نحوها، لا يعتني حتى بجلب ما تحتاجه من أطايب الطعام وجميل اللباس، وكلما عزمت على مناقشة ما جد من تبدل أحواله صرفها، تهيبها أن يكون عتابها ماحيا لعلالة حب باقية في قلبه، وفي خضم أمواج حنينها إلى سالف الود بدئت جدلا عثرت على الأسباب في طياته، فالزوج يشكو مثل ما تشكو ويشعر بمثل ما تشعر أخذ يعدد تقصيرها في حقه مبتدئا بأنها لم تعد تعتني به، فهو يرى أنها منذ سنين توجهت باهتماماتها نحو الأولاد مع انشغالها بتبعات وظيفتها التعليمية، فلا يراها في الدار إلا بين دفتر التحضير وصناعة الوسيلة وبين تأديبها بصرخات تملأ جنبات الدار الأطفال، وبين شجار مع الخادمة. أحبتي القراء، مما لا جدل فيه أن الحب شعور يقطن في قلب الزوج وقلب الزوجة، ومن لوازم ثباته وقراره في كلا القلبين أن تسقى رياضة بنمير حسن العشرة حتى لا تذبل أزهار الوداد وتخبو مشاعر المحبة، إننا لا نتحدث عن قيام الزوجين بالحقوق الواجبة فحسب، بل نريد التأكيد على كمال حسن العشرة المتضمنة تحنن كل طرف على صاحبه، وتأمل أخي القارئ قوله سبحانه (وعاشروهن بالمعروف) وقد روي الترمذي وأحمد وابن ماجه، واللفظ له عن النبي صلي الله عليه وسلم قال (خياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية الترمذي قال عليه الصلاة والسلام (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم خلقا) فتضمن الحديث الخيرية في معاملة الزوجة، بمعناها الشمولي بدأ بأداء الحقوق الواجبة مع حسن الخلق، وهذا كله يستلزم أن يكون التعايش مفعما بالتحابب الذي به تتجلى معاني السعادة الزوجية، فإذا كان ثمة خلاف بين الزوجين كانت الزوجة مبادرة إلى تلافي اشتعال نار الخصومة بحسن توددها لزوجها حتى لو كان هو المسيء، وكيف لا وقد بشرها رسول الله بالجنة إذا هي فعلت ذلك، وقد روي الطبراني في معجمه الكبير والأوسط، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (ألا أخبركم بنسائكم في الجنة قلنا بلى يا رسول الله، قال ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى) وهذا الحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 3380، وقال عنه في كتابه صحيح الترغيب حسن لغيره. ولماذا كانت الزوجة مندوبة إلى المبادرة باستجلاب قلب زوجها وهو من بدأ في إغضابها، نقول لكونها باقة من المشاعر الفياضة بالتعطف وحسن المعاشرة؛ لذا كانت أجدر بأن تكون كمصباح ينشر ضياءه منيرا دوحة السعادة الزوجية. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة وخطيب مسجد الخندق.