حين قال أحد الحكماء لتلاميذه : «تكلم لأراك» ، كان وبشكل ما يريد أن يؤكد أنه ومن خلال حديث الإنسان يمكن لك رؤيته ليس ماديا، بل رؤية كيف يفكر وما الأمور التي يؤمن بها، وكيف ينظر للإنسان، والأهم كيف صنع المجتمع والآباء عقله ؟ من هذه الزاوية يمكن إعادة قراءة الخبر الذي نشر في أكثر من صحيفة سعودية وكان الأكثر قراءة والأكثر إرسالا وتعليقا، وأعني هنا خبر الابن الذي قتل والده المسن في جازان؛ لأنه وقف ضد تزويج حفيدته الطفلة لشخص كبير في السن. الخبر بدأ هكذا «أقدم ابن عاق في الخمسين من عمره على قتل والده الطاعن في السن 80 عاما» ، دعونا نعيد سيناريو القصة المحزنة، ولنفرض أن الجد أراد تزويج الحفيدة فرفض الابن والدها، هل سيكون عاقا أيضا ؟ بسؤال أوضح ماذا لو وافق الجد على هذا الزواج/ الاغتصاب للطفلة، هل سيبارك المجتمع هذا الزواج، ولن يصبح الابن عاقا ما لم يعارض والده ؟ دعونا نتخيل أن هناك قانونا يمنع زواج القاصرات، هل كنا سنقرأ عن جريمة كهذه، أم أن الابن والد الطفلة سيجد نفسه في مواجهة مع المجتمع وقوانينه ؟ والأهم في هذا الخبر أنه لم يتحدث عن الطفلة وكانت هامشية، وكان يمكن لها أن تتزوج ولا تحدث جريمة لو لم يختلف الجد مع الأب على بيع الأطفال.. هذا الخبر وكتابته والردود عليه وتهميش الطفلة فيه، استحضر المستعرب الياباني (نوبواكي نوتوهارا) عاشق العرب وسؤاله الكبير بعد أن طاف العالم العربي 40 عاما، إذ تساءل: «شاهدت في إحدى القرى طفلا يجر عصفورا بحبل، وهذا العصفور يتعذب، والناس يمرون بمحاذاة الطفل وكأن الأمر عادي، هذا معناه أن الناس لا يناصرون الضعيف، ترى إلى أين يمضي مجتمع لا يناصر الضعيف فيه» ؟ يبدو أن الأسئلة الكبيرة لا يمكن رؤيتها بسهولة بسبب حجمها، أو كما قال ابن عربي «النور حجاب»