من غرائب الصدف أن تدرك حالة الوفاة وانتقالهم إلى الدار الآخرة بعض من أحب من المشايخ، أو الأصدقاء في الوقت الذي أكون منوماً بالمستشفى، أو مسافراً خارج الوطن!! الأديب الكبير والشاعر الأصيل الشيخ ضياء الدين رجب عليه رحمة الله توفي وأنا خارج الوطن، ولم أعلم بوفاته إلا ثاني يوم وصولي من السفر عندما قررت أن أقوم بزيارته في منزله المجاور لمنزلي فكان أن فاجأتني زوجتي قائلة: اسأل الله له الرحمة والمغفرة، فقد توفي من أسبوع ولم نجرؤ على إخبارك وأنت في الغربة. ويوم توفي شيخي وصفوة أحبتي فضيلة الشيخ أبو تراب الظاهري تغمده الله برحمته، كان سعادة الدكتور سليمان فقيه، والدكتور مازن فقيه يشرفان من غرفة المراقبة بصالة العمليات على أول عملية لي في القلب ووضع دعامات له، ولم أعلم بوفاة الشيخ أبو تراب رحمه الله إلا ثالث يوم عندما جاء الصديق عبد الرزاق حمزة لزيارتي بالمستشفى وأتى الحديث على ذكر الشيخ أبو تراب فقال الأستاذ عبدالرزاق: «رحم الله صديقك أبا تراب»، والواقع أنني كدت لا أصدق الخبر لولا أن أبنائي قالوا بالحرف: سامحنا فلم نجرؤ على إخبارك وأنت لما تزل في حالة ألم. حتى صديقي وحبيب قلبي المبدع الأستاذ عبد الله الجفري تغمده الله برحمته أدركته الوفاة وأنا منوم بالمستشفى بسبب أزمة صدرية خانقة، ولكني ما إن علمت بالخبر حتى نفضت الغطاء وأسرعت للمشاركة في تشييعه ومشاركة إخوانه وأبنائه في تقبل العزاء وأنا لا أكاد - وحتى هذه الساعة - أصدق أن الأستاذ الجفري رحمه الله غادرنا إلى الدار الآخرة لولا إيماني: بأن «كل نفس ذائقة الموت». وأكتفي بذكر هؤلاء الثلاثة الأحباء عليهم رحمة الله لأتحدث عن جميل القلب، والروح واللسان الصديق الأديب جميل محمد موسى خوجة الذي توفي الأسبوع الماضي وأنا منوم بالمستشفى لمعالجة الحرارة فلم أعلم بوفاته إلا في اليوم التالي وأنا لما أزل طريح السرير بالمستشفى، فسارعت لتقديم العزاء هاتفياً لابنه الشاعر ضياء مع رجاء إبلاغ العزاء لإخوانه، ثم رفعت الدعاء إلى الله بأن يتغمد الصديق العزيز والأخ الكريم جميل خوجة الذي كان أول ما شاهدت الفديو بمنزله قبل أربعين سنة في الهدا بالطائف عندما دعاني للغداء ولأول مرة في حياتي سمعت وشاهدت سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم بالصوت والصورة وهي تنشد «الدين يسر والخلافة بيعة، والأمر شورى والحقوق قضاء». ولم تكن هذه الزيارة هي وحدها التي جمعت بيننا فقد كان رحمه الله في كل مناسبة رسمية، أو اجتماعية يحرص على اصطحابي معه، والله يشهد أنني لم أسمع على امتداد علاقتي معه والتي امتدت من عام 1386ه وحتى وفاته إلا كل خير، فقد كان محباً للجميع كما أنه يحظى بحب الجميع لكريم سجاياه وحسن أخلاقه، وجميل مروياته والعزاء لأهله ومحبيه وإنا لله وإنا إليه راجعون.