التخطيط للحياة عامل أساسي لتحسين الأداء، وتحقيق أهداف الفرد والمجتمع بأيسر الطرق، على المدى القريب والبعيد. ونحتاج جميعنا للتخطيط في سائر أمورنا العلمية والعملية، ويدخل في إطار ذلك التخطيط لاختيار التخصص المناسب للدراسة، الذي يرسم ملامح المستقبل المهني الشخصي بشكل كبير. ويعيش خريجو المرحلة الثانوية خلال الأيام القادمة رحلة البحث عن فرص للدراسة الجامعية، وهاجس اختيار التخصص المناسب الذي يخضع لمؤثرات عديدة، وقد يجبر بعضهم على دراسة مواضيع لا تتناسب مع ميولهم وقدراتهم، على الرغم من النجاح المحدود لبرامج السنة التحضيرية لعدد من الجامعات في توجيه الطلبة، والتخفيف من قلق بعضهم وحيرتهم عند الاختيار. إن التخطيط لاختيار التخصص يرتبط كثيراً بالتخطيط لوظيفة المستقبل، حيث يؤكد الخبراء على أهمية تحديد التخصص الذي نرغبه، ليمكننا ممارسته مستقبلا بطريقة أكثر احترافية، ويمكن للأسرة توجيه الأبناء لاختياره منذ الطفولة، التي تعد مرحلة لغرس القيم والاتجاهات الإيجابية، وذلك بتزويدهم بمعلومات مبسطة عن بعض المعارف، وتشجيعهم على اللعب بألعاب تعبر عن مهن معينة، كالتعليم، والطب، والهندسة... وغيرها، وتحفيزهم بعبارات تعزز هذه التخصصات في نفوسهم. وتقع على المدارس الثانوية مسؤولية كبيرة لتنفيذ برامج إرشاد الطلبة وتوجيههم لاختيار تخصصاتهم الجامعية، وذلك لأهمية هذه المرحلة في تشكيل ميولهم واتجاهاتهم، باعتبارها مرحلة انتقالية في حياة كل طالب وطالبة. ويشير الخبراء إلى أن هناك عوامل أساسية يجب مراعاتها عند اختيار التخصص الجامعي، كالرغبة والميول، وماذا نريد أن نكون في المستقبل، وهي الخطوة الأولى عند اختيار التخصص الجامعي، وألا تكون بناء على رغبة الوالدين فقط، أو تمشياً مع اختيار أصدقاء الدراسة، أو بناء على سمعة التخصص ونظرة المجتمع. وكذلك التعرف على التخصص من حيث نظام الدراسة، والمقررات، ومدة الدراسة، واللوائح والأنظمة المتعلقة به، إضافة للتعرف على الفرص الوظيفية المتاحة بعد التخرج، ومدى الاستفادة من التخصص في الحصول على الوظيفة المناسبة، وحاجة خطط التنمية وسوق العمل له. لكن العامل الأهم في الاختيار يتعلق بمدى توافق القدرات الشخصية مع التخصص؛ فكلما توافقت القدرات مع متطلبات التخصص، كانت نسبة التكيف في التخصص أعلى، والاستمتاع بالتعلم أكثر، والقدرة على التفوق أيسر بإذن الله تعالى. ومما يؤكد أهمية اختيار التخصص ما تشير إليه الإحصاءات بأن 60% من الطلبة يغيرون تخصصهم الجامعي مرة واحدة على الأقل أثناء دراستهم الجامعية نتيجة لسوء الاختيار، ومن الطبيعي، فإن هذا التغيير لا يأتي دون ثمن، إذ يسبب هدراً في الوقت والجهد والمال، وقد لا يكون تغييراً للأفضل في كثير من الأحيان. كلمة أخيرة: السير كالسلحفاة في الطريق الصحيح، أجدى من السير كالغزال في الطريق الخطأ. * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected]