يريد أن يسرع في عودته إلى بلده ومحبيه، ويريد في نفس الوقت أن يواصل فترة النقاهة في باريس بعد أن من الله عليه بالشفاء والصحة والعافية، وسواء كان محمد عبده يريد هذه أو تلك، فهو في النهاية ابن هذه الأرض التي شدا كثيرا بحبه لها في وطنياته وفي عاطفياته ومن الطبيعي أن يشده شوق كبير للعودة إليها وإلى محبيه، الذين ينشدون ذلك كثيرا وينتظرون عودته سريعا، ولكن المنطق يقول إن تأخر عودة محمد عبده إلى مجتمعه وبلده أكثر نفعا له ولنا، لأسباب كثيرة أهمها إقامة الحفلات ومآدب العشاء بهدف التكريم مما يجهد فنان العرب ويؤثر سلبا على حالته الصحية، فالأفضل لمحمد عبده ولصحته الراهنة أن يظل بعيدا هناك في عاصمة الليل باريس يواصل نقاهته بعيدا عن عناء الركض في ساحات الفن والمهرجانات. محمد عبده الذي نتمنى عليه أن لا يفكر في العودة إلى المملكة قبل قضاء شهر رمضان والعيد في باريس، كثر عنده هاجس العاطفة داخليا هذا الهاجس الذي يتوالى عليه في فترة الاغتراب القسري التي يعيشها في باريس اليوم مع أبنائه وبناته الذين يتناوبون على رفقته خاصة ابنه عبدالرحمن الذي لازال يواصل دراسته في إدارة الأعمال في لندن متحينا أي إجازة أسبوعية لقضائها جوار والده. ولقصص المرض ومحمد عبده الكثير من ما يمكن نشره فمحمد عبده شأنه شأن كل إنسان يقابل عوارض صحية لكن .. هنا الأمر يختلف للفنان النجم ذي الارتباطات والتعاقدات المتعددة هنا وهناك. وحدث أن منع المرض محمد عبده من إحياء عدة حفلات ومهرجانات كان قد تعاقد عليها كان أشهرها حفلا غنائيا سياحيا في مملكة البحرين منذ أعوام أربعة تقريبا.. وقبلها حدث ذلك في القاهرة إلى جانب تأخر محمد عبده في دخوله لإحياء حفل «هلا فبراير» في الكويت منذ ثلاث سنوات تقريبا بسبب البرد والانفلونزا، إلا أنه واصل الغناء بعد خضوعه للعلاج في كواليس المهرجان من قبل أطباء عديدين أشرفوا على حالته ليطل بتألق ونجاح مبهر كما هي عادة «أبي عبدالرحمن» في علاقته مع خشبة الغناء في الكويت التي تعد منطلقا له منذ ستينيات القرن الماضي وهو ما يزال يافعا يحتضن عوده ويحمل في دواخله موهبته المعلنة عن قدوم فنان سيحمل لقب فنان العرب كان ذلك في إذاعة الكويت ثم إذاعة وتلفزيون أرامكو في المنطقة الشرقية وهي محاولات العطاء الأولى التي عززت انطلاقته الأولى في لبنان مع استاذيه الكدرس وبابا طاهر زمخشري. أذكر أن محمد عبده في تلك الحفلة في «هلا فبراير» عاد بعد ساعة إلى ساعتين تعامل خلالها مع الأطباء ليعود أفضل حالا ويغني ويغني وهو يقسو على نفسه ويلجد الذات لإرضا جهوره.. هذا هو محمد عبده الذي عرفناه وتعرفنا على نمط حياته الفنية والخاصة التي تشبه الكتاب المفتوح، ولي تحديدا معه في هذا الحال ذكريات ومواقف عديدة فمنذ بدء مشواره مع الغناء جعل محمد عبده التزامه الرسمي والاجتماعي خطا أحمر لا يتساهل فيه حتى لو على حساب صحته، وأذكر أنني حضرت له إحياءه حفل زفاف صديقه وعازف الإيقاع في فرقته الموسيقية الراحل عثمان خضر في مكةالمكرمة، جاء الحفل برفقه أستاذيه الخفاجي وطارق عبد الحكيم وهو مريض جدا، وشدا بما يشدو في «حوش بالجدم» في الهنداوية بمكةالمكرمة كان ذلك في ستينيات القرن الماضي ولم يكن في سجل مشواره مع الفن إلا بضع أغنيات.