محظوظ ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يضبط ويتحكم في قواه الإرادية ويتحمل الآخرين.. نعم أراه هو السعيد.. من (يبلع) مرارات وأذى المؤذين الذين قد يسعدون في حياتهم اليومية في المناكفة والمجادلة ورفع الأصوات وحب الهجوم وتضعيف العاقلين وإخراجهم عن شعورهم. لكن يبقى ذلك الإنسان القوي الشجاع الحكيم بعيد النظر، في نظري هو الفائز في دنياه وآخرته، بل إنه أشجع من صائل المعركة يوم الوغي.. لقدراته المحمودة على تحمل الشاردات والواردات من تفاهات الحمقى. وعلى نحو ذلك نتساءل: من منا لم يصبه أذى في حياته؟!.. ما أظن أن إنسانا على وجه الأرض لم يتعرض لصنوف من الأذى، وقد كان الرسل والأنبياء الكرام من أكثر خلق الله تعالى تعرضا، وهو ما يدخل في باب الابتلاء، وقد كانوا أشد الناس ابتلاء. فالمرض أذى، والتعذيب أذى، وفقدان الأحبة أذى، وخسارة المال أذى، والعدوان أذى، والإهانة لمن أنعم الله تعالى عليه بنعمة الإحساس أذى، والظلم أذى. نتعرض يوميا له، وربما نكون سببا في الوقت نفسه في إيذاء الآخرين، عن عمد، أو عن غير عمد وقصد. فمن بين الناس جماعة تتلذذ بآلام الآخرين، تخصصت في إلحاق الضرر بكل أشكاله بخلق الله، برعوا في ذلك، وحصلوا على شهادة الجودة «الايزو» بفن النكد. ليس الأذى أحيانا يكون باليد، فما أسهل أن يتعرض للسب والشتم، لمجرد احتكاك سيارتك بسيارة شاب طائش (مثال بسيط)، وما نسمعه من تجاوزات في الأقوال من البعض، قد تصل إلى النيل من السمعة بل والأعراض، لحقد وحسد من جانب هؤلاء. وقد يهون الأمر إذا كان مصدر الأذى فردا يمكن مواجهته، ومحاورته إن كان يدرك، والوصول إلى حالة من «الصلح» و «التسامح»، التي تحقق على الأقل درجة من الأمان النفسي والرضا المعنوي لمن تعرض للأذى. لكن الأمر جد عظيم، عندما يكون مصدر الأذى جماعة، أو هيئة مسؤولة، أو وزارة أنيط بها أمر من أمور المواطن لأنك لن تجد وقتها هذا الوزير أو المسؤول ليدفع عنك الأذى، أو تحقيق المصالحة، أو حتى الاسترضاء والاعتذار. فالإهمال الذي نعاني منه في الطرق من حفريات ومطبات عشوائية، وعدم انتظام الخدمات حيث تكرار انقطاع الماء، وتيار الكهرباء، وتأخير معاملات المراجعين، تأخير حقوقهم والتلذذ بعذابهم وإيذائهم، في تكرار مراجعتهم دون الوصول إلى نتيجة. وما نشاهده في بعض المستشفيات من إهمال للمرضى، ويصعب رفعه ورفع آثاره المادية والمعنوية بسهولة، فكم شكونا، وكم كتبنا، ولكن: لا حياة لمن تنادي، فلا توقف الأذى، ولا نال من تعرض له حقه. [email protected]