القصة الكاملة لتحلية المياه في السعودية، خاصة مدينة جدة منذ نشأة أول كنداسة أو أول محطة تقطير للمياه المحلاة على سواحل البحر الأحمر تناولها الإعلامي بدر الخريف في تحقيق مطول بتاريخ 22/4/2011م تحت عنوان: (قصة تحلية المياه في السعودية من زمن الكنداسة إلى تجربة دولية رائدة خلال قرن)، واعتمد فيه على ما يبدو على كتاب توثيقي أعدته المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، لتوثيق قصة المياه المحلاة في المملكة، وقصة تطورها إلى الوقت الحاضر. هذا الموضوع اهتممت به منذ فترة ليست بالقصيرة، وما زاد من اهتمامي هو توفر مصدرين مهمين يلقيان الضوء على هذا الموضوع، المصدر الأول عثماني يعود إلى بداية القرن العشرين ممثلا في مجلة شهبال التي تناولت الحديث عنها الاسبوع الماضي في الحلقة الأولى من هذا الموضوع ، أما المصدر الوثائقي الثاني ويفصله زمنياً عن المصدر الأول حوالي 21 عاماً وهذا المصدر الوثائقي المهم يعود إلى عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد ضمه لمدينة جدة بحوالي أربع سنوات هذا المصدر الوثائقي الذي يقع في أربع وثائق هي مراسلات بين الملك عبدالعزيز ونائبه في الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز من جهة وأمير ينبع إبراهيم النشمي وخلفه في إمارة ينبع صالح العصيمي من جهة أخرى. الوثيقة الأولى بتاريخ 19رجب 1346ه، وهي رسالة موجهة إلى الملك عبدالعزيز من أمير ينبع إبراهيم بن عبدالرحمن النشمي رداً على رسالة كان قد بعث بها الملك إليه بخصوص البحث عن جبل الفحم الحجري ضمن الجبال المجاورة لينبع الذي يمكن الحصول منه على خامة كنداسة جدة. وقد ورد في رسالة النشمي بهذا الخصوص مانصه: «ومن خصوص جبل الفحم الحجري حال وصول أمركم السابق أرسلنا عليه لأجل يكشفونه ويعرفوا كبره ومساحته وبعده عن البحر وعن أمر تسهيل طريقه وكلفناهم يجلبون معهم من الفحم في أكياس لأجل نرسل منه لجلالتكم مع أهل ركايب وبعد (إن شاء الله) تعالى قريب وصولهم إلى طرفنا وحال ما يردون علينا نركب أهل ركايب ونعرفكم بالحقيقة». ثم تضمنت الرسالة قضايا أخرى تتعلق بإصلاحات الطرق مابين ينبع والمدينة وطرق إصلاح تلك الطرق والعمالة التي قامت بها والمصاريف المالية التي أنفقت في هذا الخصوص. كما تضمنت الرسالة الأحوال في مدينة ينبع وتوافد القادمين إليها يومياً من مناطق مختلفة، خاصة من أهل نجد وورد فيها أيضاً تعيين الشيخ أبو بكر داغستاني قاضياً شرعياً لمدينة ينبع بأمر من مقام سمو النائب العام الأمير فيصل بن عبدالعزيز. وختم أمير ينبع رسالته بملحق تضمن معلومات عن الإدارة المالية، وتحويل مبالغ إلى مدير مالية المدينةالمنورة صالح بن ميمان. رسالة إلى الملك فيصل الوثيقة الثانية وهي رسالة بتاريخ 22 رمضان موجهة من أمير ينبع إلى سمو النائب العام لجلالة الملك على الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز. ورد فيها ما يتعلق بالبحث عن الفحم الحجري الضروري للكنداسة مانصه: «ورد علينا أمر من جلالة مولاي الملك المعظم بأننا نبحث عن ضلعان الفحم الحجري وحسب الأمر قد أرسلنا خادمكم حمدي بيك (ربما يكون أحد المختصين الجيولوجيين) لأجل الكشف والبحث عن الضلع الذي ذكروه لنا ولدى البحث جاب لنا جتسه (ربما نوعية أو عينة) وعرضناها على مهندس الكنداسة وأفادنا أنه فحم كوك من أطيب ما يكون وقوته أحسن من الفحم الحجري ثم ذكر لنا خلافه وأرسلنا من طرفنا ركايب وقبل تاريخه طبو علينا وأخبرونا أنه وجد ضلعين خلاف الأول وجابوا لنا من جنسين وعرضناه على مهندس الكنداسة إسماعيل وأفاد كما ذكرنا بأعلاه وأما الضلع الأول فهو بعد عنا (أي عن ينبع) خمسة أيام أما الضلعين الآخرة فهي عنا يومين ونصف وأما الكثر فلا له نهاية كذلك وجد ضلع حديد صلب عنا مسافة يوم ونصف وأيضاً وجدنا خلاف الأول معدن حديد عن ينبع بعده خمس ساعات وأيضاً وجدنا معادن بوهيات مختلفة الألوان عن البلاد بعد ضلعها خمس ساعات كذلك بهذا الجبال وجدوا معدن كبريت أصفر وخلافها من المعادن. وأما الفحم البيوم أعطينا منه المهندس إسماعيل خمسة أكياس لأجل تجربته وأيضاً في كنداسة جدة وبعد نرسل لجلالة مولاي الملك المعظم من جنس الفحم حسب أمره هذا مالزم تعريفه». معادن ينبع هذه الوثيقة عبارة عن تقرير كامل عن أول عملية كشف عن المعادن في الجبال الكائنة في منطقة ينبع، وهذه تعد ريادة تحسب للقائد الرائد ورجال مخلصين لم يدخروا جهداً لبناء الدولة والبحث عن الموارد الطبيعية التي يعود نفعها لمصلحة أبناء شعب أقاموا دولتهم بجهودهم بعرقهم بدمائهم، وآن الأوان بعد انتهاء اكتمال بناء الوحدة بفترة قليلة أن يوحدوا جهودهم ويوظفوا طاقاتهم في البحث عن موارد تسير أمورهم، بما في ذلك وقود الفحم الحجري لتشغيل محطة التحلية الأولى في البلاد التي يعتمد على ما تنتجه من مياه مدينة جدة. الوثيقة الثالثة أمر من أمير ينبع الجديد صالح العصيمي الذي حل محل أميرها السابق إبراهيم النشمي وجهه إلى قائم مقام ينبع بطلب السماح لمهندس الكنداسة بالنزول إلى ينبع والوثيقة بتاريخ 10رجب 1347ه. لعل ما ورد في هذه المصادر، الصور النادرة، والوثائق التي يكشف عنها لأول مرة تضيف إلى ما ورد في تحقيق الإعلامي القدير بدر الخريف والكتاب التوثيقي الذي أصدرته المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. كما أرجو أن يكون فيما قدمته إضافة للباحثين والدارسين في حقل التاريخ وأن يكون لهم عوناً في اكتشاف مصادر جديدة للتاريخ لم يتم اكتشافها بعد.