تجدهم يتحركون وسط زحمة المراجعين في الدوائر الحكومية، مشكلين صفاً من المكاتب «البسطات» المتنقلة، يستظلون بمظلات قوس قزح تقيهم حرارة الشمس وبرودة الطقس، إلا أنها تخذلهم أحيانا أثناء العواصف العاتية والرياح القوية، فيستعينون بالحجارة كمساند لملفاتهم وأوراقهم خوفاً عليها من الضياع في أتون الرياح العاصفة، يتحركون كخلية نحل بشرية، معظمهم ترك وظائفه لبلوغه سن التقاعد الفعلي أو المبكر، يتقاضون مبلغا صغيرا نسبياً لا يتعدى العشرة ريالات عن كل استمارة أو خطاب يقومون بتدوين سطوره، ولكنهم راضون بمهنتهم وما تجود به، البعض يعتبرها مصدر رزق وآخرون يرون فيها دخلا إضافياً يساعدهم في متطلباتهم الحياتية. إنهم «العرضحالجية» أو كتبة «المعاريض»، الذين يمتلكون موهبة كتابة الخطابات وتعبئة استمارات المعاملات مقابل مبالغ مادية بسيطة، ويتمركزون أمام بعض الدوائر الحكومية كالجوازات، الأحوال المدنية وزارة الداخلية، الإمارة والبلديات، يستخدم بعضهم القلم وآخرون تسلحوا بالتكنولوجيا الحديثة كالحاسب الآلي والماسحات الضوئية، يستقبلون زبائنهم بابتسامة عريضة وفوق هذا خطاب بلغة معبرة ومؤثرة يفي الغرض. مصدر للرزق البداية كانت مع عبدالله غالب الشريف عسكري متقاعد في عقده السادس، ويحمل الشهادة المتوسطة، والذي بدأ متحفظاً في البداية، إلا أنه بادر بعد لحظات صمت لم تدم طويلا بالقول: أمارس هذه المهنة منذ 40 عاماً لحاجتي للمال ومصدر من مصادر الرزق، وأضاف: خدمت في العسكرية 26 عاماً، وبعد التقاعد لم أجد مهنة أزاولها وتقيني شر السؤال إلا هذه المهنة التي كنت أعمل بها منذ دخول مجالي العسكرية في الطائف، قبل أن انتقل لجدة. وزاد: 40 عاما قضيتها في كتابة الخطابات والمعارض، اكتسبت مهارة التعامل مع الناس بكافة شرائحهم، وأيضا زاد في قدرتي على الكتابة بشكل مؤثر وبطريقة تختلف عن جميع كتاب المعاريض الآخرين. أبو إسكندر وفي المقابل، يمارس أحمد إبراهيم (أبو إسكندر) 52 عاماً، مهنة كاتب المعاريض منذ سبعة أعوام بحثاً عن لقمة العيش الحلال على حد قوله، ونجح في مجاله لموهبته في كتابة المعاريض ما أكسبه سمعة جيدة بين أقرانه والمراجعين على حد سواء، ورغم أنه من خريجي الثانوية، إلا أنه يرى أنه استطاع النجاح في هذه المهنة التي يجب أن يمتلك فيها الإنسان مقومات اللغة الجيدة والمؤثرة والخط الواضح للقراءة، وقال «يجب أن تضع الغضب في ثلاجة بيتك، وألا تأتي به للعمل لأنك ستواجه العديد من الشرائح منها المتعجرف والمتكبر والمتواضع والطيب، فيجب عليك إنجاز عملك بكل صمت وإخفاء غضبك»، وأشار أبو إسكندر، أن زبائنه من كافة الشرائح ويلبي طلباتهم بسماحة، دون أن يغفل شريحة من الزبائن يسيئون التعامل. حرارة الصيف وبين فهد الغامدي (27 عاماً)، أنه يمارس مهمة الحجز الإلكتروني للزبائن بالتعاون مع أحد الكتاب المتواجدين حوله، وأضاف: أعمل في الحراسة الأمنية بدوام مسائي، وآتي إلى هنا لزيادة دخلي اليومي، وذكر أن دخله اليومي من هذه المهنة يتراوح في الأيام العادية من 100170 ريالا، وأيام الاختبارات والصيف تزيد لتصل إلى 200 ريال، واعتبر أن التعامل مع الناس صعب جداً ولكنه لا يحبذ الذين يتعاملون بشكل سيئ أو بوقاحة معه، وقال «نعمل هنا لكسب الرزق، ولا نقبل الإساءة من أحد»، وطالب البلدية السماح لهم بنصب «أكشاش» متحركة مزودة بالتكييف الذي يقيهم شر حرارة الصيف الحارقة، خصوصاً وأن بعض العرض حالجية يلجأ إلى المولدات الكهربائية لتشغيل أجهزة الكمبيوتر. مواقف مؤثرة إلى ذلك، أوضح محمد الشهري (45 عاماً)، أنه يعول أسرة من ستة أفراد، ويمارس المهنة منذ أربعة أعوام للحاجة، وقال: أمتلك مقومات الكتابة وعملت عسكرياً لأكثر من 15 عاماً، وأتعامل مع الناس بالمثل، وتطرق الشهري إلى بعض المواقف في مجال عمله، وقال «حضر لي بالصدفة أخوان لم يتحدثا مع بعضهما البعض منذ 14 عاما بسبب بعض المشاكل العائلة، وقد حضر كل منهما لغرض معين، فأحدهما يريد أن يستخرج استمارة لابنه وآخر لابنته، وبعد حديث طويل معهما استطعت أن أصلح بينهما»، وطالب الشهري أن تسمح لهم البلدية بمكاتب متحركة تقيهم حرارة الشمس وبرودة الشتاء وسوء الأحوال. وأخيراً، بين علي المباركي (55 عاماً)، والذي يعمل كاتباً منذ 15 عاماً، أن هذه المهنة تختلف عن كل المهن من حيث التعامل مع العديد من شرائح المجتمع وإيجابية الكتابة بلغة مفهومة وواضحة ومؤثرة، وقال أواجه بشكل يومي مواقف محزنة تؤثر على بدرجة كبيرة، وطالب بدوره بإزالة حاوية النفايات عنه وعن زملائه بسبب الروائح الكريهة المنبعثة وتطرد الزبائن عنهم.