تتميز السياسة الخارجية السعودية بجملة من المواصفات التي باتت ثوابت راكزة، لا يخطئها مراقب أو متخصص، ولعل أولى تلك الثوابت وأعلاها شأنا، هي الرصانة في المواقف إزاء الأحداث المتفجرة، فمهما كانت الأزمة كبيرة وتداعياتها خطيرة، تجد الموقف السعودي إزاء التحدي الماثل، رصينا، فإن أيد كان ذلك بتأمل، وإن عارض كان ذلك عن دراية ووعي، وهذه الميزة تفرض الاحترام حتى على الخصوم أو أصحاب الرأي الآخر، كما تفسح المجال أمام الدبلوماسية المرنة والمحترفة، لتحقيق المصالح في أي اتجاه، ومن أين انبثقت. وبعدها، تأتي العقلانية، فالمملكة تواجه الأخطار والتحديات بعقلانية، فلا تميل كل الميل دون تدبر، ولا تعادي، أو تسد أبواب كل المخارج. وهي إلى ذلك، سياسة مبدئية، بمعنى أن ما يؤسس لكل المواقف، مجموعة من المبادئ العليا في السياسة الخارجية، مثل تحقيق مصالح الوطن والأشقاء في العالمين العربي والإسلامي، ونشر روح السلام والوئام في المنطقة والعالم، والسعي إلى الاستقرار والازدهار في الدوائر المختلفة، انطلاقا من الوطن، فالدائرتان العربية فالإسلامية وهكذا دواليك، وتشجيع الحلول السلمية حتى في أعقد الأزمات ونبذ العنف والدعوة الدائمة إلى الحوار من أجل حل النزاعات. وخلاصة هذه الثوابت، تصب في إحدى أبرز معالم السياسة الخارجية السعودية، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول القريبة أو البعيدة، وهذا ناتج بالضرورة عن الرصانة والعقلانية والمبدئية، إذ من غير اللائق التدخل في ترتيب البيت الداخلي لأي دولة من الدول، رغم ما يكون من علاقات وأواصر بين المملكة وتلك الدولة. كما أنه من العقل الابتعاد عن استخدام الوسائل المختلفة للتأثير ولو إيجابا في بلد آخر؛ لأن ذلك يجر مضاعفات سلبية حتى ولو كانت النية إيجابية إلا في حال طلب وساطة أو دعم أو عون، من شقيق أو صديق، فتلك مسألة أخرى، فضلا عن أن عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة يندرج في أطر المبادئ المعتمدة في المملكة، أي دعم الاستقرار والازدهار ونشر ثقافة الحوار البناء وحل النزاعات بالطرق السلمية. وأن تتدخل أي دولة في شؤون دولة أخرى، دون طلب منها أو رضا، فهذا يفتح الباب أمام تدخل معاكس من هذه الدولة أو من غيرها، نزولا عند مبدأ المعاملة بالمثل، وهو متعارف عليه في العلاقات الدبلوماسية بين الدول. فكما أن المملكة كأي دولة في المجتمع الدولي الراهن، ترفض تدخل أي طرف خارجي في شؤونها الداخلية، فإنها بالمقابل تلتزم بصرامة عدم الدخل العفوي أو المتعمد في شؤون أي دولة أخرى، وهو ما جعل المملكة مستقرة في علاقاتها الخارجية، ورصينة في مواقفها الدولية، وعقلانية لدى الأزمات، ومنهجية في تعاطيها مع الملفات المختلفة، وتلقى الاحترام والود من كل الأطراف الإقليمية والدولية، ما جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أحد أبرز الشخصيات العالمية في الوقت الحاضر. وبسبب استقرار السياسة الخارجية على هذا النحو، فإن كل الادعاءات والافتراءات السابقة والراهنة بتدخل المملكة في شؤون أي دولة، تبوء بالفشل الذريع، فلا السوابق تؤيد هذه المزاعم ولا الحوادث تمنح دليلا واحدا على ما يذهبون، فتذوي الفقاعة قبل أن تكبر. وقد تجلى هذا المنحى في السياسة الخارجية أكثر فأكثر، مع اندلاع الثورات الشعبية أخيرا، ابتداء من تونس وكان الحياد الإيجابي إزاء الأزمة في مصر، ثم الاندراج في الجهود الإقليمية والدولية لحل أزمة ليبيا، والاشتراك بفعالية في المبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن، والإسهام في بسط الاستقرار في البحرين ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، وبدعوة من الدولة البحرينية.