التأديب القضائي أو القانون التأديبي هو ما يمكن إجمال محدداته في تعريفه بأنه: مجموعة القواعد القانونية التي يكون بمقتضاها للسلطة ذات الاختصاص إيقاع الجزاء التأديبي على الموظف العام الذي يرتكب خطأ معيناً خلال أو بمناسبة قيامه بأعمال وظيفته. والهدف من هذا التأديب هو ضمان حسن سير وانتظام العمل في المرفق العام الذي يعمل به الموظف. والأصل التاريخي للتأديب القضائي في النظام الإداري الإسلامي هو نظام والي المظالم الذي بدأ العمل به في عهد الدولة الأموية على يد الخليفة عبدالملك بن مروان، حيث خصص يوماً للفصل في المظالم، أي في شكاية آحاد الناس من أحد الولاة أو العاملين بالدولة ومرافقها العامة. ثم ما لبثت هذه السنة الحميدة التي استنها عبدالملك بن مروان أن صارت قضاء مستقلا عن القضاء بمعناه المعروف، وصار هذا القضاء مختصاً في المقام الأول بنظر المنازعات التي تثور بين آحاد الناس وبين الدولة ممثلة في ولاتها وعمالها، ومن بعد ذلك صار بكل ولاية ومع اتساع رقعة دولة الإسلام ديوان خاص بالمظالم يتولى هذا القضاء التأديبي، الذي يجد صداه فيما يعرف اليوم تحت مفهوم ومصطلح القضاء الإداري. وفضلا عن اقتضاء حقوق الأفراد من الدولة ممثلة في أجهزتها الإدارية وموظفيها العموميين بواسطة هذا القضاء المتخصص، فإن التأديب القضائي تلتقي كل رؤى فهمه عند النتيجة التي تتغياها قواعد القانون التأديبي، وهي مساءلة الموظف العام نفسه عما يقع منه بصدد قيامه بمهام وظيفته. وهذه المساءلة التأديبية تتبع بشأنها إجراءات محددة عينتها القاعدة التأديبية نفسها، بحيث لا يتجاوز التأديب هذه الإجراءات، ولا يتجاوز كذلك العقوبات المقررة بمقتضى القاعدة التأديبية هذه العقوبات التي يراعى فيها دائما التناسب طردياً مع الخطأ المنسوب إلى الموظف العام، بحيث لا يصير مآل التأديب إلى لغو لا جدوى منه بمحاباة الموظف العام على حساب المواطن أو على حساب المرفق العام نفسه، ولا إلى اعتساف بالموظف العام وانتقام منه. وقد استقرت القواعد التأديبية في مختلف التشريعات في كل دول العالم المتحضر، وترسخت تطبيقاتها وشروحها، وصار القضاء الإداري في كل بلد عنواناً على حسن سير النظام الإداري لهذا البلد ومقياساً له. ولقد ضربت المملكة العربية السعودية بسهمها في هذا الميدان، فبعد أن كانت قواعد تأديب الموظفين العموميين تدمج ضمن قواعد الوظيفة العامة نفسها، فقد اتجهت إلى إفراد هذه القواعد التأديبية في صورة تشريعات خاصة آخذة في الرسوخ بما تتسم به من مرونة وموضوعية ومن عدالة تتمثل في التناسب بين الخطأ المنسوب إلى الموظف العام والعقوبة المقررة لهذا الخطأ من جانب، وفي الضمانات الإجرائية التي تكفلها للموظف العام فيما توفره له من فرص للدفاع عن نفسه دفاعا جديا لا شكلياً من جانب آخر. وجمعاً لهذه القيم التشريعية المهمة ذات الأثر البالغ في حسن سير وانتظام مرافق المملكة، فقد صدر بها مرسوم ملكي، هو نظام تأديب الموظفين المدنيين في المملكة عدا أعضاء السلك القضائي، والذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/7) في 1/2/1391ه، وهو الذي يسري على جميع الموظفين المدنيين في المملكة وموظفي الأشخاص المعنوية العامة. بالإضافة إلى ما ورد في لائحة انتهاء الخدمة الصادرة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 1/818 وتاريخ 20/8/1423ه وهو ما يكشف عن مواكبة المملكة لمقتضيات الحداثة ومعطيات الدولة الحديثة في ظل استمساك وثيق بالشريعة الإسلامية الغراء سياجاً ومنهاجاً. * القاضي بالمحكمة الإدارية بجدة.