الفرح هذه الأيام طاغ .. لانتصار العدالة وانطلاقتها في بدء مسيرتها داخل المجتمع، بعد .. تحويل أكثر من ثلاثمائة شخصية بينهم شخصيات معروفة إلى المحاكمة لاتهامهم في التسبب بكوارث «جدة».. وبصراحة نفسي أفرح زيهم .. بس ما قدرت، استحيت!! أعتقد أن ما يجري هو أقرب للحزن منه للفرح!! لأنه يعني أننا نمر بضائقة في الذمم والضمائر ونقف أمام زحف خطير على الأمانة الأخلاقية ومسؤوليات الوظيفة العامة! ويعني أن الله أراد كشف السوء في جدة بالمطر ماذا عن «البقية» في غياب المطر؟!! فالمتهمون ليسوا عشرة ولا عشرين بل العدد كبير وكبير جدا .. والخافي أعظم!!! وأخشى أن نتلفت في «جدة».. ما عاد نلاقي موظفين في دوائرها وأمانتها وبلديتها .. صاروا في القفص!! من بقي!! لقد أصبحت معرفة من بقي أصعب من معرفة من دخل!! فالأعداد المعلنة ما بين موظف عادي وموظف سبع نجوم وموظف برتبة مسؤول غير رجال في المحاكم والقضاء .. تشير إلى أن القفص لا يزال مفتوحا وانحشر!! والداخلون صاروا كثرا .. أما الخارجون فلم يظهر منهم أحد!! فالقفص على ما يبدو له اتجاه واحد .. «دخول» فقط ولا يوجد «مخرج»!! وباب للخروج!! كل هؤلاء .. والخافي أعظم متهمون بخيانة الأمانة والتفريط بالحقوق والإساءة للوظيفة.. و«للمسؤولية» و«للوطنية» فأي فرح يمر بنا والتهم خطيرة !! والوطن يعاني من متهمين فتح لهم أبواب الفرص الوظيفية وشبعوا منها .. وليس من العاطلين الواقفين في طابور الانتظار! فإذا كان الموظف متهما .. ماذا نلاقي من العاطل؟!! وإذا فعل الجرم المشين موظفون مشبعون .. ماذا عسانا نجد من العاطلين والمعطلين والباحثين عن مصدر رزق!! من الممكن أن الجائع «قد» يسرق المحتاج «قد» يختلس .. قلت «قد».. لأن لديهما المبرر والدافع للجريمة النكراء .. لكن المتهمين في كوارث «جدة» معظمهم ليسوا من فئات الجائعين ولا المحتاجين ولا البائسين ولا المحرومين ومعظمهم لديهم ما يغنيهم عن الحرام .. فلماذا فعلوها؟!! الأهم عندي من عقاب الفاعلين البحث عن الدوافع والأسباب لأن ذلك يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ويبث الطمأنينة في المجتمع، ويعزز القيم والمبادئ في النفوس وينهض بالضمائر النائمة ويدعو إلى تأصيل الإيمان والتقوى في الموظفين وعدم الاكتفاء بالمظهر بعيدا عن الجوهر! على اعتبار سائد متفش بيننا أن كل من اعتنى بمظاهر الزهد صار معصوما من الخطأ وصار من المنزهين رغم أن التقوى محلها القلب وآثارها على السلوك والجوارح .. وهذا يعني أننا بالرغم من التعمق في الحديث باسم الدين نعاني من التطبيق الفاصل بين ما ندعيه وما نفعله!! لا يكفي أن تقولوا لنا هذا مجرم يستحق العقاب إنما لا بد من تفسير الأسباب قبل الحساب!! حتى يمكن إيجاد التدابير اللازمة لمنع تكرار الكارثة ولتأمين المجتمع ضد الفساد والمفسدين في الأرض. وتحصين الموظفين ضد الوقوع في أوبئة الفساد والرشوة والخيانة!! إن محاسبة المتهمين لا بد أن تكون لها أهداف غير العقاب! أهمها فحص الأنظمة الوظيفية السائدة المشجعة على ارتكاب المخالفات والتجاوزات ومعالجتها على الفور فمن العار أن نكون المجتمع «القدوة» في التدين ثم نكتشف أن التفتيش عن الفضيلة كان يركز على عفة الجسد ولم يهتم بعفة الضمير، يا للهول!! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 152 مسافة ثم الرسالة