معظم السرقات تتم في الظلام، ومعظم التجاوزات على حقوق الناس تتم في الظلام، ومعظم الحروب الحديثة تبدأ في الظلام، ومعظم عمليات السطو المسلح تتم في الظلام، فيه يزيد الأرق، وبه تتحرك الهموم وتتجمع في رؤوس حامليها، وفيه تظهر مخاوف الصغار والكبار، به يأرق العشاق، ويتألم المرضى، وبه تحاك المؤامرات، وكأن ما يجمع كل هذا أن به ستارا يمكن أن تختفي وراءه أعمال كثيرة، والعلاقة بين الظلام والفساد علاقة وثيقة، فالفساد يحتاج إلى ظلام حتى يستطيع المفسد أو الفاسد أن يمارس مهمته، في الظلام يتراجع الوضوح وتضعف القدرة على الرؤية، وتتاح الفرصة للسارق والمحارب أن يمارسا ما يريدانه دون خوف من أن يراهما أحد، والفساد يحتاج لهذا الظلام حتى يتمكن من الانتشار، فالمرتشي يخشى أن يكشف فيبحث عن مكان يختبئ به عن عيون الناس حتى لا يراه أحد، وحين تصبح الرشوة في وضح النهار فهذا يعني أن هذا النهار صار ليلا على المستوى المعنوي، لأن المرتشي لم يعد يخشى عيون الناس التي غشاها الخوف من الكلام، وعندها يصبح الفساد أقوى من الحق، ويصبح الفاسد أقوى من الشريف، ويصبح نهار المجتمع ليلا دامسا مظلما، يذهب المرء لدائرة معينة وهو يعلم أنه ضعيف، ويصبح الموظف الفاسد في أمان مع وجود نور النهار، لأنه يعلم أنه لن يحاسب، وأن لا أحد يمكنه أن يراقبه فالكل من حوله لا يرون إما لأنهم تعاموا من الخوف، أو لأنهم ساهموا في صنع الظلام من حولهم فهم عصابة مترابطة من رئيسهم إلى حارس المبنى، الكل اتفق على أن هذا المواطن ينبغي أن يدفع وإلا فلن يجد من ينصت له، وإن وجد فلن نمكنه من الحصول على حقه، وسنتكاتف جميعا لوضع العراقيل أمامه بحيث يضطر في النهاية أن يدفع لأحدنا أو لن ينال حقه، فيتحول نهار المكان ونوره إلى ظلام أينما ذهب صاحب الحق لا يجد من يسانده ولا يجد من يرى حقه، وتصبح شمعته المضيئة كامنة في المبالغ التي يدفعها رشوة لموظف حتى ينهي له مشكلته، ويبدو أن بعض فقهاء العصر يئسوا من إنصاف هذا الضعيف لشيوع ظلام الفساد فأباحوا له أن يدفع الرشوة للحصول على حقه إن لم يكن هناك بد من دفعها، شريطة أن لا تكون هذه الرشوة وسيلة لهضم حق آخر، وهكذا ينتشر الفساد تماما كما ينتشر الظلام، ويسود في المجتمع جو تسود فيه التعديات وأكل الحقوق، وضياعها، ويصعب على الكثيرين رؤية الحق تماما كما يصيب من يبحث عن شيء في غرفة مظلمة، ومع كل النتائج المؤلمة التي تحدث نتيجة الظلام إلا أنه سهل إزالته، فشمعة واحدة تنير غرفة تسمح لمن فيها أن يبددوا خوفهم، وأن يروا ما بها ويصلون لما كانوا يبحثون عنه فيها، ولا يحتاج إشعال شمعة لأكثر من شخص واحد، كما لا تحتاج إضاءة مصباح غرفة أو مدينة لأكثر من شخص واحد يحرك المفتاح، ولكن الحفاظ على الشمعة وكذلك الحفاظ على نور شبكة الإضاءة في مدينة يحتاج إلى عدد كبير من العمال والمهندسين والفنيين، هكذا هي حالة التغلب على الفساد في أي أمة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تمثل ابتداء فريق الفنيين الذين يحتاجون وبسرعة إلى وضع مخطط للإضاءة وتبديد ظلام الفساد، ثم تحتاج لوضع خطة للحفاظ على شبكة الإضاءة هذه حتى لا يوجد مناخ لنمو الفساد والمفسدين، وحتى نضمن أن حقوق الضعفاء ستبقى مضمونة وأنه لن يتمكن ظالم من العيش لأن عيشه يحتاج إلى ظلام، بل إن اسم الظالم مشتق من الظلم والظلام، ورسول الأمة عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وكلي أمل بأن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ستساهم مساهمة فعالة في إضاءة شبكة الإنارة الاجتماعية وحمايتها وصيانتها، من خلال محاسبة كل من سيعبث بها، وسيجد كل فرد منا القدرة على مواجهة الفاسدين والمفسدين. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]