ماذا بعد حفظ القرآن ؟! سؤال يراود أذهان الكثيرين عندما يرون أن الكثير من الشباب والفتيات قد أفنوا أعمارهم وزهرة شبابهم في حفظ كلام الله، وبعد نهلهم من فضل القرآن، يتساءل البعض منهم عن مصيرهم خصوصا أنهم قد حصلوا على شهادات رسمية بحفظ كتاب الله !!. ويتساءل آخر: ما هو ثمرة تعب أهله وحرصهم على انتظامه والتزامه في الحلقات ؟!، ويتساءل ثالث: ما أثر القرآن على أخلاق الحافظ خصوصا أن بعضهم تتردى سلوكياتهم أحيانا بعد أن كان حافظا لكتاب الله؟!، وهل سيستمر حفظ الشاب للقرآن، أم سيصطدم ذلك مع ظروف الحياة المختلفة، وسيذهب حفظه أدراج الرياح ؟!، وهل يميز المجتمع الحافظ لكتاب الله في شتى ميادين الحياة أم أن الواقع يقول غير ذلك ؟!. ولماذا يلجأ حفظة كتاب الله إلى وظائف أخرى ؟ وهل يوجد مجال عملي قريب من القرآن ؟ أم أن أمواج الحياة تلطمه بعيدا عن كتاب الله ؟. والتساؤل الأهم هو: أين ستذهب 200 مليون ريال والتي أمر بها الملك لدعم حفظة كتاب الله ضمن حزمة الأوامر الملكية المباركة؟!، وهل ستلبي جزءا من طموحاتهم وتوفر فرص عمل لهم في مجالهم وتقطع الطريق عمن يتكلم عن مصيرهم المجهول؟!. «عكاظ» طرحت هذه القضية على أكاديميين ومسؤولين في جمعيات تحفيظ القرآن بحثا عن إجابات للأسئلة المطروحة فإلى التفاصيل: بداية يتحدث الطالب الجامعي محمد أحمد عن تجربته بقوله «حفظت القرآن قبل فترة وحصلت على نسبة عالية، مكنتني من الحصول على جائزة، وهي سيارة، كوني أحد الثلاثة الأوائل. ويواصل: عملت بعد ذلك معلما للقرآن، ولكن عندما جاء وقت التفكير في المستقبل قررت التخصص في مجال آخر. وعزا تخصصه في مجال آخر إلى عدم وجود تخصصات كافية أو مرموقة في مجال القرآن، مؤكدا أن الاهتمام بطالب القرآن الكريم، وإن كان كبيرا، يقل مفعوله بعدما يتسلم شهادة ختم القرآن، وبالتالي فإن الطالب يصرف النظر للمستقبل إلى شيء آخر. مبينا أن مجالات القرآن التي يمكن للشخص الالتحاق بها نادرة وقليلة، وذلك قبل الأمر الملكي، لكن الوقت الراهن وأمام هذا المبلغ من خادم الحرمين الشريفين، استبشر الجميع ونتج عن هذه البذرة من خادم الحرمين الشريفين، شجرة عالية الأغصان، متعددة الثمار. من جانبه بين مدير معهد الإمام الشاطبي الدكتور نوح الشهري أن التحاق الطلاب بمراكز القرآن لحفظه على نوعين إما طلبا للأجر والنية الصالحة، أو للعمل في ذات المجال. ومن هنا تختلف النيات». موضحا أن معهد الإمام الشاطبي يستقبل حفظة القرآن لتأهيلهم وأخذ إجازة في القرآن، وأن الطالب أحيانا، يلتحق به كونه يريد أن يصبح معلما. ودعا الطلاب للالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن وأن تتوق همتهم لأجل أخذ الإجازات في كتاب الله، فالأمر الملكي تجاه تحفيظ القرآن، والذي كان له نصيب كبير، سيسهم في نتاج طيب، مضيفا «لا أرى أمام هذا المبلغ الكبير، إلا بلوغ القمة في الرعاية بالقرآن وأهله». انحراف السلوكيات وذكر الشهري أن انحراف سلوكيات بعض الحفظة نادر، وليست ظاهرة تعمم، قائلا «من يتجه إلى القرآن وإن لم يكن على دراية بالمعنى، فإنه حتما سيتغير إلى الأفضل، فما بالك لو كان على دراية بالمعاني، وهذا دليل على ميزة الحفظ وإن كان بدون علم بالمعاني بركة». وأكد الشهري أن المجتمع لا يرضى بالسلوكيات المشينة سواء من الحفظة أو غيرهم، مشددا على أن الأخلاق السيئة للحافظ كبيرة في حقه. وأشار الشهري إلى أن حفظ القرآن ليس المقصود منه حفظ الحروف فقط وإنما الاستفادة من معاني القرآن وتطبيقها على الواقع الحياتي، مناديا الجمعيات المختصة بالقرآن إلى بذل المزيد من الاهتمام بالتربية ومعاني القرآن، ذلك أنها تركز أحيانا على الحفظ دون سواه. ولفت الشهري إلى أن السلوكيات القليلة من بعض الحفظة بعد تخرجهم تحتاج إلى معالجة وتدارك للأمر قبل ختم القرآن أحيانا، فيطبق الطالب مثلا ما حفظه عمليا، حتى يتمثل القرآن في سلوكه، مشددا على ضرورة التدبر والعمل بما جاء في كتاب الله، محذرا من تعميم السلوكيات الخاطئة على أية فئة من المجتمع. ونفى الشهري أن يكون مصير حفظ الطالب بعد ختمه إلى التبخر والنسيان، إلا إن كان ممن لا يراجع، مستشهدا على ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها). ونصح بعدم تحميل العصر الذنب وأنه سبب النسيان، ذلك أن بعض الشباب مثلا تخرج حافظا، وعمل في مجال بعيد عن القرآن، ولكنه يراجع القرآن في أوقات فراغه، وقبل وبعد الصلوات، فالأمر متاح ولا يحتاج سوى همة وإرادة ونية. دافع قوي ويؤكد رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في جدة المهندس عبدالعزيز حنفي، أن طالب تحفيظ القرآن أساسا هو ملتحق في التعليم العام، وأن حفظ القرآن ليس منهجا يتطلع خلفه لأمور دنيوية، بل مكسب أخروي قبل أي شيء. وبين أن الملتحقين بحلقات الذكر هدفهم الخير، فهم يعلمون أن القرآن ليس مجالا دنيويا للانخراط في الأعمال، أكثر منه أخرويا، كما أن الجمعية في جدة تشجع عبر مراكزها على أن تكون في يد الحافظ مهنة. واستغرب حنفي من بعض المتسائلين، أين مستقبل آلاف الحفظة ؟! قائلا «الحافظ تجده في كلية الطب أو الهندسة وفي الخارج أحيانا، وليس منغلقا على نفسه، بل القرآن يحث على السير، كما لدينا طلاب من مدارس عالمية، وهذا ما يؤكده عميدا كلية الطب والهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز، في أن الطالبات والطلاب المتفوقين في هاتين الكليتين، تجدهم من أبناء الحلقات، إضافة إلى أن عميد كلية الهندسة خريج هذه الحلقات». ونوه حنفي إلى أن الأمر الملكي تجاه حفظة القرآن، سيكون دافعا قويا في تحسين وسير دفة العمل، ورقي هذا المجال، وتوفير فرص ناجعة تخدم أبناء القرآن. وأكد رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم أن بعض الحفظة يلجؤون أحيانا إلى تخصصات تقارب القرآن الكريم، حتى لا تفنى زهرة شبابه، أو ربما يريد تنمية نفسه في هذا المجال، لحبه له، فيلتحق بجامعة أم القرى، أو جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وتمنى أن يكون هناك أولوية لحافظ القرآن، سواء على مستوى الدراسة أو الأعمال، قائلا «لابد من تمييزهم بأي شيء، ذلك أن تركيبة الشاب الملتحق بحلقات القرآن، تختلف عن الآخرين، فهو هادئ، متزن، وطالب تعليمي منتظم، ونحن نعمل وننسق مع جهات رسمية، لتوفير مميزات له». اتهامات باطلة ولفت حنفي إلى أن الناس تحتار أحيانا، فتخلط بين مدارس تحفيظ القرآن والحلقات، قائلا «المدارس لها شأنها، ونحن نتحدث هنا عن حلقات التحفيظ». ورفض الاتهامات لبعض الحفظة بلجوئهم بعد ختمهم القرآن إلى سلوكيات مخالفة لا تتوافق والقرآن، قائلا «هذا كلام ليس بعام فهو اتهام بعيد عن الواقع»، مؤكدا أنه على العكس تماما، فالتحفيظ يحافظ على السلوكيات، ويهذبها، وخصوصا إن كان المرء من الحفظة. واستشهد حنفي بقصة في إحدى المدارس في جدة، قائلا «بعد انضمام بعض طلابها إلى الحلقات، أكد مدير المدرسة لي بقوله: أعرف من هم طلابك يا مهندس. فلما سألته كيف؟ أجابني بأن لهم سمة مميزة، وأخلاقا مهذبة، يتشابهون فيها». وبين حنفي أن الأمهات والآباء أنفسهم لاحظوا تغييرات إيجابية في سلوكيات أبنائهم بعد حفظهم للقرآن، موضحا أن نسبة طلاب التحفيظ في جدة لا تتجاوز «6 % إلى 7 %» من طلاب التعليم العام، مشيرا إلى أنه لا ينبغي التعليق على نسبة بسيطة، فهي لا تؤثر على المجتمع لقلتها، كما لا ينبغي إطلاق تهم عليها. وأردف حنفي متحدثا عن وجود ثلاث وثلاثين حلقة في السجون، وأن المدير العام للسجن بين له أن العنبر الذي فيه حلقة تحفيظ، لا يعود الخارجون منه إلى السجن إلا في حالات قليلة ونادرة، لا تتجاوز أحيانا الواحد في الألف، أما العنابر الأخرى، فيترددون على السجون كثيرا. مؤهل وحيد ويرى عضو مجلس الشورى سابقا الدكتور محمد آل زلفة أن تعلم القرآن أمر طيب، على ألا ينبغي أن يكون هو التخصص الوحيد الذي يعتمد الشاب عليه. مطالبا الحفاظ بعدم الاكتفاء بالقرآن وحده كمؤهل للعمل، بل يجب أن يكون الحافظ مدركا للحياة ويعمل على تطبيق القرآن بتهذيب سلوكه، وإلا فسيصطدم بالواقع. وأضاف آل زلفة «ليس لنا أن نتباهى بخريجي القرآن كجوانب مهنية، لكن يمكن حدوث التباهي، عندما نرى الخير ينتشر، والحفظة تزيد أعدادهم، مع الحرص على العلوم الدنيوية النافعة، ذلك أن حفظ القرآن حاليا لا يوفر فرصا مهنية، فمن يتخرج حافظا، ويعتمد على ذلك، فسيصطدم بواقع الحياة». وذكر أن السلف الصالح كانوا ينوعون في جوانبهم الحياتية، فيحفظون، ويبحثون عن الرزق، في مجالات أخرى من خلال لجوئهم إلى التجارة والطب، مع الحرص على كتاب الله». وقال «إن الطالب الجامعي، أو الموظف، ومن يملك مهنة أو دراسة، ثم يفرغ لنفسه وقتا لحفظ القرآن، فهذا هو الخير الذي يحرص الإنسان عليه، وهو عين الصواب في الدنيا والآخرة. وأشار إلى عدم وجود وظيفة باسم حافظ قرآن، سوى إمامة الناس كصلاة التراويح في رمضان، لكنه أفصح أن الأوامر الملكية الأخيرة غطت كافة مجالات الحياة، كما خدمت طلاب التحفيظ حفاظ كتاب الله، وستعلو بهم إلى الآفاق، نظرا للتبرع السخي لهذه الجمعيات الخيرية.. وشدد آل زلفة على ضرورة إعادة تأهيل بعض خريجي القرآن، وإلحاقهم بمعاهد مهنية، ذلك أن اعتمادهم على القرآن غير كاف للتكسب الدنيوي، وإنما يفيد الإنسان في زيادة الأجر عند الله، وتحسين سلوكه مع الناس. ولاحظ آل زلفة أن الكارثة الحقيقية هي أن تجد لدى بعض حافظي القرآن اعوجاجا في السلوك، قائلا «ينبغي على هؤلاء أن يكونوا قدوة في الخير لا في الشر».