أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، أن الأوامر الملكية حققت العديد من المقاصد الشرعية، استعلى فيها الحب والصدق، وتجلى فيها الوفاء والولاء، ومشاعر المحبة والعطف والإحسان واللطف. وأكد أن الأوامر الملكية أصابت جميع الإصلاحات، وشملت عموم المرافق والمؤسسات، وتناولت سلاسل ذهبية لجميع احتياجات الوطن والمواطن في مختلف المجالات، مشيرا إلى أنها أوامر تاريخية إصلاحية بكل المقاييس، تكتب بماء الذهب ومداد النور، وطروح الشموخ والإباء. وتحدث السديس عن جملة الملك «لا تنسوني من دعائكم»، موضحا أنها أظهرت الافتقار إلى الحق، والمحبة للخلق، وتؤكد منهج السلف في أهمية الدعاء لولي الأمر، منها ما روي عن الإمام أحمد أنه قال: «لو أعلم أن لي دعوة مستجابة، لصرفتها للإمام»، مبينا أن الدعاء للإمام من أهم حقوقه على رعيته، ولذا فالرعية مطالبة بأداء هذا الحق «ونشهد الله كم نلهج ليلا ونهارا، سرا وجهار، بالدعاء لهم، والله يتولى القبول بمنه وكرمه. ويا خادم الحرمين الشريفين، لنعم الإمام العادل المبارك أنت، ولنعم صوت الحكمة والإصلاح أنت، دمت مكلوء بعين الله ورعايته، ومحفوفا بلطف الله وعنايته، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وعن شعبك الذي قارضك الصدق والولاء، أكرم الثواب والعطاء، وشكر الله مساعيك شكرا لا يزال ينمو ويتعدد، ويزكو ويتجدد». وأشار إلى أن تلك الأوامر تعالج العديد من المعضلات الاقتصادية والتربوية الطبية والعسكرية والاجتماعية، وتطوير للمؤسسات القرآنية والدينية والعلمية والفقهية والخيرية والاحتسابية، خدمة للدين وإعلاء لرايته، ونشر الهدى والحق وتحقيق غايته، مشيرا إلى أن ذلك امتداد لمنهج المملكة وأسسها وثوابتها منذ تأسيسها، في العناية بثوابت الدين وأصول العقيدة ومقاصد الشريعة، ابتغاء لمرضاة الله، واستشعارا لعظم المسؤولية وأداء للأمانة «انطلاقا بشبعه الوفي الأبي شطر الرخاء المترامي الأطراف، والمكانة بين الأمم، ببناء شرعي وروحي وثقافي وفكري ونفسي وأخلاقي ووطني، في لحمة وتلاحم». وقال السديس معقبا: «إن من تلك الأوامر الملكية السامية الدعم الجزيل للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، لتواصل مسيرة بناء الجيل القرآني، ونشر كتاب الله حفظا وتلاوة وتجويدا، وتنافسا عبر المسابقات المحلية والدولية، وهي الدولة التي اعتنت بالقرآن وطبقت أحكامه». وحول حفظ مقام العلماء وصون مكانتهم عن الطعن واللمز، أوضح السديس أن الأمر الملكي القاضي بعدم المساس أو التعرض للمفتي العام وأعضاء هيئة كبار العلماء، عين الحكمة وخالص الصواب في بيان آداب التعامل مع العلماء الراسخين، وإنزالهم منزلتهم السامقة الكريمة، التي تعزز هيبتهم ووقارهم في العالمين، حفاظا على الملة وإصلاحا للأمة، وإحياء لأدب السلف، وتحقيقا لمصالح الخلف. وأكد أن مقام الفتوى من أعظم المقامات، «إذ هي معارج الأمم، وسبيل بلوغها مدارات القمم، والعناية بالفتوى عناية بالتوقيع عن رب العالمين، وبرعاية البحوث الشرعية التأصيلية تعم أحكام الدين، وتنتشر مقاصده، وتصفو وتنأى عن تكدير موارده». وحول إنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء في مناطق المملكة، قال السديس: «إن هذا برهان ساطع على الشعور المرهف لخادم الحرمين الشريفين حيال المسؤولية المناطة بهيئة كبار العلماء الأجلاء، من حيث البيان والتوجيه والإرشاد والإفتاء بالدرجة الأولى، خصوصا أن المملكة لها الشأن المديد في الفتوى، وهي المرجع الموثوق في العالم الإسلامي»، مشيرا إلى أن هذا الاهتمام امتداد لما كان عليه المؤسس وأبناؤه، لا سيما في وقت كثرت فيه النوازل والمستجدات، والقضايا المعاصرة والمتغيرات في شتى المجالات، وتعددت المدارك والاختلاف، مؤكدا أن وجود هذه الفروع صمام أمان، وتعزيز المرجعية الشرعية، لأنها ضرورة شرعية وحاجة حياتية ماسة، فدعما إداريا ووظيفيا من المحامد التي تعزز شأن الفتوى وتوطدها وتيسرها. وتطرق السديس إلى إنشاء المجمع الفقهي السعودي، حيث أوضح أن إنشاءه مع وجود مجامع أخرى مما يتنادى به العلماء ويفرضه العصر وتتطلبه المرحلة، مشيرا إلى أن ذلك يحفز الباحثين والدارسين والعلماء على فحص المستجدات والقضايا الكبرى والمسائل المطروحة في المجتمع السعودي، الفقهية والأصولية والطبية والاقتصادية، والبت فيها بصورة عاجلة. وعن دعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوضح أن الأمر الملكي بدعم جهاز الحسبة وتمكينه وتطويره استجابة لمقتضى قول الله تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». أما دعم مكاتب الدعوة والإرشاد، فأوضح أن الأمر الملكي يدعمها مواصلة لجهودها الخيرة، بثقة واقتدار، دون عثار مادي يقلص جهودها أو ينتاب نشاطها. وعرج السديس إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مؤكدا أنها حماية للنزاهة، وعون للالتزام بالأخلاق المهنية الشريفة، وصون لمقدرات الدولة ومكتسباتها عن الهدر والإتلاف، مشيرا إلى أن ذلك هو شعار الحزم والعزم، وتلك هي النظرة الثاقبة، والعين الباصرة لاجتثاث الفساد والاختلاس والخيانة.. وبخصوص الأمر الملكي في العناية بالمساجد، أكد السديس أن الملك عبدالله أولى بيوت الله فائق التعهد والرعاية، من حيث التطهير الحسي والمعنوي، بحيث تكون موافقة لمكانتها السامية العظيمة، متوائمة مع المنزلة العمرانية الإسلامية، التي تتبوؤها بلاد الحرمين الشريفين، من التميز والبهاء، «وكيف لا ترسو بيوت الله في وجدان الملك الميمون اهتماما وخدمة، فهو خادم الحرمين الشريفين».