المتابع للأحداث الأخيرة في منطقة الخليح يلاحظ تغيرا واضحا في السياسة الإيرانية التي قررت إخراج البعض بتبعية عمياء إلى مصير مجهول،تحت شعارات تخفي المصالح الحقيقية في منطقة الخليج. بعد حصول إيران على تبرئة من دورها في فتنه الحوثيين في اليمن، زادت أطماعها إقليميا مستغلة الأوضاع السياسية في الدول العربية الأخرى، وشحن بعض المؤدلجين بشعارات الحرية والإصلاح المزيفة لخلق زعزعة في الجبهات الداخلية لدول الجوار. ثم زاد العبث السياسي الإيراني في دولة البحرين باتفاق مبدئي مع مجاميع بحرينية أمريكية لترسم خريطة طريق جديدة في المنطقة تحكمها المصالح المشتركة بين هذه الأطراف. بدأت بوادر الاتفاق بتأييد الاحتجاجات الشعبية في البحرين من قبل واشنطنوطهران، ثم المعارضة لتتدخل دول مجلس التعاون الخليجي لحفظ استقرار دولة البحرين بعد طلب المنامة هذا التدخل بشكل رسمي. هذا التدويل والتدخل غير المبرر من الإدارتين الإيرانيةوالأمريكية، أفقد المعارضة البحرينية مصداقيتها بطلب الإصلاح الداخلي، وأصبح واضحا للعيان بأن هذه المعارضة ما هي إلا دمى تتلاعب بها المصالح ما بين طهرانوواشنطن. وبعد دخول قوات درع الجزيرة إلى دولة البحرين، بدأت كل من إيران وأمريكا تنصيب نفسيهما كوصيين شرعيين على البحرين، والتحدث بجرأة حول شؤونها الداخلية. وأفصح الكولونيل ديفيد لابان في بيان له «لا وزير الدفاع روبرت غيتس، ولا رئيس أركان الجيوش الأمريكية الأميرال مايك مولن كانا على علم بأن قوات من مجلس التعاون الخليجي ستنتشر في البحرين». وشرعت الحكومة الإيرانية حربها الصوتية قوامها التهديد والوعيد على لسان وزير خارجيتها السابق منوشهر متكي حين صرح قائلا «تدخل السعودية في البحرين لعب بالنار، وعليها سحب قواتها فورا قبل فوات الآوان»، ولا أعلم بماذا يسمي متكي هذا التصريح غير المسوؤل. ويبدو أن لا خلفية لديه عن سلاح الجو السعودي، وإلا لما تجرأ على التفوه بمثل هذه التهديدات الحمقاء. واستمر مسلسل العنتريات الإيرانية على لسان وزير الخارجية الحالي علي أكبر صالحي حين تفوه قائلا «لن تقف إيران مكتوفة الأيدي تجاه إرسال جنود إلى البحرين». ووصف صالحي وجود قوات درع الجزيرة بالقرار «السادي» من قبل حكومة البحرين، متجاهلا أبشع صور السادية والقمع التي مارستها دولته من قتل للمتظاهرين من قبل قوات الباسيج في شوارع طهران، والتعتيم الإعلامي لهذه الاحتجاجات، ووضع زعماء الإصلاح قيد الإقامة الجبرية. وهذا لم يحصل في البحرين في بداية المظاهرات الشعبية، بل على العكس تماما. ولم يضع ملك البحرين معارضيه قيد الإقامة الجبرية بل صفح عن زعماء المعارضة في لندن، وسمح لهم بالعودة على الرغم من تآمرهم على أمن الدولة مع إيران. المؤدلجون من الشيعة العرب فقط هم من يجهلون أسباب هذه العنترية الإيرانية بالدفاع عنهم متجاهلين ما تفعله طهران بشيعة الأحواز الذين يقتلون جهارا نهارا، لا لسبب إلا لأصولهم العربية. هذا التدخل السافر في الشوؤن الداخلية البحرينية وبمباركة من الإدارة الأمريكية كما حدث سابقا في العراق يؤكد التحالف الذي يخفية التراشق الكلامي بين الطرفين. وإذا تجاوز العاقل كل ما سلف، فإن له أن يتوقف عند الأسطول الخامس الأمريكي في دولة البحرين، ويسأل نفسه لماذا سحبت الإدارة الأمريكية هذا الأسطول في هذا الوقت الحرج؟. خصوصا بعد دخول قوات درع الجزيرة للبحرين وتصريحات طهران بعدم السكوت على ذلك. هذا الموقف الأمريكي رسالة واضحة بعدم رغبة الإدارة الأمريكية بالتورط في مأزق ثالث في أقل من عشر سنوات. إذ لم يزل الاقتصاد الأمريكي يدفع ثمن هذه حروب، ناهيك عن الغضب الشعبي الأمريكي إزاء هذه الحروب. ومع ازدياد التوتر في المنطقة وجهت هيلاري كلينتون رسالة مباشرة لإيران بآخر تصريح لها، حين قالت إن أمريكا ملتزمة بقوة بأمن الخليج. هذا التناقض في الموقف الأمريكي مع وجود تاريخ حافل بممارسة الازدواجية في اتخاذ القرارت يثير الشكوك حول مصداقية هذه الوعود، لا سيما أن السياسة، عموما، لا تعترف بصديق دائم ولا عدو دائم ومبدأ «الفزعة» غير وارد أبدا في الأجندة الأمريكية الخارجية، إلا بما يتوافق مع مصالحها. وهذا ما لوحظ في الفترة الأخيرة مع تعاقب الأحداث في الدول العربية. هذا التناقض الأمريكي وليد سببين لا ثالث لهما: إما أن يكون رسالة لدول محددة بتحمل أعباء الحرب كاملة في حال نشبت في المنطقة، أو مغازلة سياسية لاستدراج إيران لمصيدة الحرب، ومن ثم يبدأ مسلسل التصريحات المتذبذب في موقفها السياسي منتهيا بالوقوف إلى جانب القوه المنتصرة. وفي كلتا الحالتين، تعتبر أمريكا نفسها هي الرابح الوحيد في هذه الحرب سواء أن دفعت تكلفة هذه الحرب أو لم تدفع، فالخطة (ب) في السياسة الأمريكية كفيلة بحل أي مأزق سياسي واقتصادي. ويظل السبب وراء سياسة الاستدراج الأمريكيةلإيران، ودفعها لخوض حرب مع دول الجوار غامضا، فلو كان الهدف هو القضاء على حكومة نجاد، فقد قدمت المعارضة الإيرانية هذه الفرصة على طبق من ذهب لواشنطن، وكان بإمكانها دعم المعارضة والتخلص من حكومة نجاد دون الحاجة لزج المنطقة في حرب ثانية لا أحد يستطيع التنبؤ بنتائجها. ولكن ارتفاع سقف الأطماع الاقتصادية لدى واشنطن وحلم السيطرة على منابع النفط، ووضع يدها بشكل شرعي على مضيق هرمز، لاسيما أنه الطريق الأهم لإمدادات النفط العالمية يوضح هذا الغموض، ويؤكد بأن دور السيد نجاد لم ينته بعد. إن على دول الخليج أن تعي ملابسات ذلك جيدا، وبدلا من الدخول في مماحكات مباشرة مع طهران المعروفة بطول نفسها، عليها أن تستغل التفكك الداخلي الذي تعيشه إيران، وتبدأ في تقييم الضغط الداخلي بالنظر إلى منطقة الأحواز التي تعتبر مسمار النعش في الدولة الفارسية. * دكتوراة جامعة مانشستر بريطانيا