تحتل جائزة الملك فيصل العالمية مكانة بارزة في مشهد الأبحاث العلمية والثقافة الإنسانية، باعتبارها تأتي تقديرا للعلماء ممن قدموا خدمة للإسلام والمسلمين، وللباحثين الذين حققوا، في مجالات تخصصهم، ريادة نافعة للبشرية، وللدول الإسلامية والنامية على وجه التحديد. ومن الأمور الواجب ذكرها في هذا الصدد أن الجائزة منذ إنشائها عام 1397ه (1977م)، وهي تسير من نجاح إلى نجاح، وتزداد شهرة وانتشاراً لدى الأوساط العلمية إقليميا وعالميا، حتى أصبحت واحدة من أرقى الجوائز في مجالات تخصصها. وفي تقديري ويوافقني في ذلك الكثيرون أن هناك أمرين على درجة عالية من الأهمية وراء استمرارية الجائزة وصعود نجمها في المشهد العلمي العالمي، هما أنها تستمد اسمها من شخصية فذة، والثاني ينحصر في أبناء الملك الراحل وحرصهم على بلوغ الجائزة قمة الهرم العلمي بما تقدمه من حوافز إبداعية للعلماء والباحثين والمفكرين في شتى مناحي الحياة. وإذا عدنا إلى الأمر الأول يمكننا القول إن الملك فيصل رحمه الله يعد من الشخصيات العالمية الفذة، فقد اكتسب خبرات شتى منذ صباه، إذ شارك مع والده الملك المؤسس طيب الله ثراه في العديد من حملات التوحيد، وقاد البعض منها، ومن ثم كان موضع ثقة والده، حيث كان نائبا للملك في الحجاز، ووزيرا للخارجية، ورئيسا لمجلس الشورى، ورئيسا لمجلس الوكلاء، وممثلا للملك في العديد من المحافل الدولية، كما كان وليا للعهد إبان حكم أخيه الملك سعود، ورئيسا لمجلس الوزراء. وشهدت المملكة في عهده نهضة حضارية وتطورا كبيرا شمل مختلف المجالات والميادين، فقد تركزت جهود الملك الراحل في بناء المواطن السعودي، ونشر التعليم، وتطوير الجوانب الحضارية والإدارية للبلاد، وآتت تلك الجهود ثمارها فيما نراه الآن من منجزات حضارية متعددة. أيضا عمل الملك فيصل على تحقيق التضامن الإسلامي ونذر حياته لذلك ونجح في هذا المجال نجاحا كبيرا لصدقه وإخلاصه وإيمانه الكامل بأن هذا التضامن كفيل بإعادة العزة الكاملة والكرامة للأمة الإسلامية، كما آمن بقضية فلسطين إيمانا مطلقا، فسعى خلال حياته إلى تحقيق هذا الهدف وكانت مواقفه بشأن هذه القضية مضرب الأمثال في التمسك بالحق والذود عن المقدسات ورفع الظلم والغبن عن كل مسلم مظلوم في أي مكان في العالم، مستخدما الطرق السلمية والوسائل الدبلوماسية. أما السبب الآخر فهو ينحصر في الجهود المخلصة التي يبذلها أصحاب السمو أبناء الملك الراحل الذين يسعون جاهدين إلى تكريم والدهم رحمه الله وكشف الكثير من مواقفه وخطواته للأجيال الحالية التي لم تعايش تلك الحقبة الزمنية التي عاش خلالها الملك فيصل، فقد أنشأوا مؤسسة تحمل اسمه وهي إحدى المؤسسات الخيرية في المملكة العربية السعودية التي تعنى بالمحافظة على التراث الإسلامي وتنمية الثقافة الإسلامية وكذلك مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. وقد أطلقت المؤسسة قبل عامين معرض «الفيصل.. شاهد وشهيد» وذلك لإتاحة الفرصة لمواطني المملكة وزائريها لرؤية ومشاهدة مراحل حياة الملك الراحل ودوره عربيا وإسلاميا ودوليا، حيث اشتمل على الكثير من المعلومات الموثقة بالصور المختلفة عن رحلات الملك فيصل، ومواقفه إزاء العديد من القضايا المحلية والإقليمية والعالمية، بجانب عدد من مقتنياته وخطبه، وقد كان المعرض فرصة مناسبة كي يطلع الكثيرون على تاريخ هذه الشخصية القوية التي أرست قواعد العلم والمعرفة والثقافة في المملكة. إنني أنتهز هذه الفرصة لأتقدم بوافر الشكر لأبناء الملك الراحل على ما يقومون به من جهود بارزة لخدمة دينهم ومليكهم ووطنهم، وأخص بالذكر الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مؤسسة الملك فيصل الخيرية والأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة و الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، الذين يرجع الفضل إليهم بعد الله تعالى في وصول الجائزة إلى ما وصلت إليه من مكانة، لاجتهادهم في تطبيق نظام جائزة الملك فيصل العالمية القائم على الحياد، وتطبيقهم لقواعد الترشيح بدقة وإحكام. *رئيس مجموعة الحكير للسياحة والتنمية[email protected]