قرار خاطئ في ساعة غضب، ورفقاء السوء، الثأر، وقت الفراغ وعوامل أخرى فرضت نفسها بقوة لتدفع عددا من أبناء الطائف لارتكاب جرائم، أودعوا على إثرها في السجون ينتظرون القصاص أو إكمال محكوميتهم، في وقت ما زالت القبلية تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصية إبن الطائف، وتزج به في عصبية بعيدا عن التمدن، وتكرس ثقافة الثأر، ما يؤدي لتفاقم الجريمة. وفيما أكد مختصون براءة قبلية الطائف من وصمها بصفة الجريمة، وأن الطابع القبلي لا يبرر ارتفاع معدلها في المحافظة، أرجعها آخرون لضعف الوازع الديني والرادع الاجتماعي والتربية المنزلية، وشددوا على مواجهتها بتكثيف التوعية الأسرية للأبناء، منع ثقافة الثأر وتذكير أبناء المجتمع بخطورة سلوكيات الانحراف. ومن داخل سجن الطائف، أكد عدد من السجناء أن السبب الرئيس لكل ما هم فيه، هو اتخاذ قرار خاطئ في ساعة غضب وتهور، مناشدين أقرانهم من خلف القضبان بالتريث والتدبر مرارا قبل الإقدام على أية خطوة قد تقودهم إلى سراديب السجن، وحينها لا ينفع الندم. هؤلاء السجناء، يتذكرون أسباب احتجازهم خلف القضبان، بعد أن عمدوا لاتخاذ قرار ساهم في تقييد حريتهم، بعضهم لأشهر، والبعض الآخر لسنوات وهناك من ينتظر حد السيف ما لم يقدر الله له بالعفو. أكدوا جميعا بصوت واحد أنهم عازمون على العودة إلى المجتمع بصدق، مشيرين إلى أن الزمن لو عاد بهم مرة أخرى للوراء، لكان تصرفهم حيال ما أوصلهم للسجن، بشكل مختلف، ولكان الحلم هو سيد الموقف مع اختلاف جرائمهم وتنوعها، إلا أنهم قالوا إن عوامل عدة ساهمت في بقائهم خلف القضبان، منها رفقاء السوء، وقت الفراغ، العصبية القبلية، عزة النفس، الغطرسة، الفقر وعدة عوامل أخرى. سجنت بسبب القبلية (ث.س) أقدم سجين في الطائف منذ 28 عاما، في كل يوم يتوقع اقتياده لساحة القصاص بعد الجريمة التي ارتكبها بالمشاركة مع إبن عمه، وقال «تعود تفاصيل القصة، إلى اعتداء أحد الأشخاص على قريبتي، وأودع السجن لمدة عام كامل، ولكنه خرج بعد ستة أشهر من سجنه، وهذا ما جعلني وشقيق الفتاة المعتدى عليها، أن نقرر الانتقام منه، بالاعتداء عليه في منزله في ظلام الليل، ولا أتذكر سوى أنني هربت أنا وشقيق الفتاة بعد ارتكاب الجريمة، وسمعنا في اليوم التالي أن أحد أفراد هذه العائلة توفي والآخر مصاب وموجود في المستشفى». وأضاف بعد تسعة أيام قررت تسليم نفسي للشرطة التي أودعتني السجن، وعندما سجلت اعترافاتي لدى الشرطة حكم علي بالقصاص، وتنقلت بين سجن الرياضوجدة. واستطرد قائلا كنت متزوجا قبل دخولي للسجن ورزقت بمولود، وعندما توفيت زوجتي تولى جده وجدته تربيته، ولم يزرني إلا عندما بلغ ست سنوات، حينها اكتشف أني والده، وأني مسجون، وأن والدته متوفاة، إثر ذلك أصيب بالصرع نتيجة للصدمة التي لم يقدر على تحملها. وعن آماله قال: الأمل كبير في الله أولا ثم في المجتمع، فأنا محكوم علي في قضية شرف، وأحفظ الآن أكثر من 13 جزءا من القرآن وما زال أملي في الحياة كبيرا. الثأر أوصلني إلى هنا أما السجين «ع.س» فقد جاءت قصته مثيرة في بدايتها وحزينة في نهايتها وقال «قبل عامين ونصف، وبينما كنت أصلي العشاء في أحد المساجد اعتدى علي شخص، وأصابني في رأسي، وتعرضت لإغماءة نقلت على إثرها إلى المستشفى ولم أفق منها إلا بعد خمسة أيام، وأبلغت بأن من ضربني هو فلان بن فلان وأنه سلم نفسه للشرطة، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين ولكنه خرج بعد ثمانية أشهر، وقابلته في مغسلة لغسيل السيارات وحدثت بيننا مشادة انتهت بإطلاق النار عليه، وتوفي في المستشفى في اليوم التالي وعلى الفور سلمت نفسي للشرطة». وأضاف والألم يرتسم على محياه «أنا متزوج ولي ستة أبناء يأملون في رؤيتي بينهم، فهم يزوروني باستمرار، ورزقت قبل تسعة أشهر بمولود أثناء تواجدي في السجن نتيجة الاستفادة من «الخلوة الشرعية». وقبل أن ننهي الحديث معه قال «الأمل كبير في الله ثم في أهل القتيل». أما السجين (م.ع) فقال كانت هنالك بعض الإشكاليات بين إخواني وإخوان المعتدى عليه «الصغار» ما تسبب في وقوع مضاربة بيني وبينهم، نتج عنها تعرض خصمي إلى كسر في يده، فأودعت السجن ولا زلت فيه منذ شهرين مضيفا «كنت على وشك التخرج من الكلية وتسببت هذه القضية في تعطيل تخرجي». تجول بجوار منزلنا فقتلته ويقول (ع.ح) البالغ من العمر 19 عاما، وتخرج من الثانوية العامة القسم العلمي بنسبة 96 في المائة «كنت في منزل الأسرة المنعزل عن بقية المنازل قبل أربعة أشهر، ولاحظت شخصا يتجول حوله، قررت أن أذهب له بغرض التفاهم معه حول سبب وجوده في هذا المكان، وأثناء ذلك فاجأني بالتهجم علي، ومن باب الدفاع عن نفسي، لم أتمالك نفسي من الغضب رددت عليه، وحدثت بيننا مضاربة انتهت بإطلاقي النار عليه من سلاح كان معي مما أدى لوفاته.. وأنتظر حكم الشرع في هذه القضية». التفحيط قادني للقتل من جانبه قال أصغر سجين في سجن الطائف (ع.س) «لم أكن أعلم أن هناك سجنا، ولم أكن أعرف أيضا أن قضايا القتل هذه هي نهايتها، كنت شابا متحمسا، وشاءت الأقدار أن يؤدي الاختلاف حول التفحيط في أحد الأيام إلى ارتكابي جريمة قتل لم أعلم عواقبها إلا عندما أدخلت إلى السجن قبل عام. وتحدث عن خلفيات الحادثة التي قادته إلى السجن بقوله «مارست التفحيط مع مجموعة من الشباب في صباح يوم الجريمة، ولكن في المساء حدث اختلاف وكلام لا معنى له حول التفحيط وتكسير الزجاج، ودخلت في مضاربة مع القتيل الذي واجهني بطعنات عدة، وتمكنت من انتزاع السكين منه وفاجأته بطعنة واحدة تسببت في نزيف حاد له، وحملته وأوصلته إلى أحد الموجودين في الموقع ونقله فورا إلى المستشفى ووافته المنية هناك». وعن حياته الآن، أكد أنها كلها حسرات وندم على ما أقدم عليه، مشيرا إلى أن الحسرة تلازمه بين فترة وأخرى، والندم يسيطر على حالته النفسية. من جهته قال وكيل كلية الدراسات العليا في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية اللواء الدكتور سعد بن علي الشهراني «إن الجريمة ظاهرة اجتماعية بالمعنى العلمي ولا تفسر بعامل واحد أو عاملين بل بمجموعة من العوامل وتعالج بحزمة من السياسات.. وبحسب علمي ليس هناك ما يجعل معدل الجريمة في الطائف أكثر من غيرها، وإن تكرر اسمها في وسائل الإعلام أحيانا، ويمكن التحقق من ذلك من الأجهزة المختصة بالجريمة التي تعمد إلى مباشرة تلك الحالات أو دراستها». ضعف الوعي وأضاف «إذا ما قلنا أن الطائف منطقة قبلية، فهي أيضا ليست المنطقة القبلية الوحيدة، فهناك مناطق أخرى مشابهة لها في التركيبة السكانية، كما أن الطابع القبلي في الطائف لا يبرر ارتفاع نسبة الجرائم فيها»، لافتا إلى أن أسباب الجريمة ضعف الوازع الديني، ضعف الرادع الاجتماعي وضعف الوعي عند مرتكب الجريمة أو من له علاقة به إلى جانب الجهل، مضيفا قد يكون هناك سبب للجريمة مرتبط بالتعصب القبلي، وفعل القبيلة في الفرد يتمثل في أنه عندما يكون في جماعة، إحساسه بذاته يزداد أكثر بسبب الإحساس بالقرب ممن تربطه بهم رابطة قرابة شديدة، ويكون سلوكه في هذه الحالة أقل عقلانية، وقد يقوده لتصرفات متهورة.. بينما يحدث العكس لو كان في مجتمع يفتقد فيه للقرابة والجماعة. وزاد «من كل ما سبق يتضح لنا أنه لا يمكن أن ننسب لمنطقة معينة أي سلوك سلبي، حتى وإن بالغ الإعلام في وصفها سواء كانت الطائف أو غيرها». وقال «من أسباب الجريمة، ضعف التربية المنزلية، حيث تربي كثير من الأسر الفرد على أن يأخذ بحقه وأن يأخذ بثأره، وألا يسمح لأحد إذا أخطأ معه لأي سبب من الأسباب وغير ذلك من عبارات التربية التي تطلقها بعض الأسر لأبنائها، وهي غالبا ما تدفع الشخص مهيأ لارتكاب الجريمة». وأكد ضرورة التركيز على دور المسجد في مكافحة أية جرائم، وقال «أئمة المساجد والدعاة معنيون بتذكير أبناء المجتمع بخطورة سلوكيات الانحراف، وتوعية الآباء وأولياء الأمور بالطرق السلمية لتوعية أبنائهم وتربيتهم بطريقة تمنع ارتكابهم لأية جرائم». الجريمة قديمة أما وكيل كلية خدمة المجتمع في جامعة الطائف الدكتور عائض الزهراني فقال «لا توجد مدينة فاضلة إلا في عقول الحالمين والمثاليين، ومنذ زمن والجريمة موجودة، ومن أهم أسبابها في وقتنا الحالي البطالة باعتبارها المعول الأول والرئيسي للجريمة في أي مدينة وأي دولة وأي مجتمع». وبين أن للبيئة والعوامل الجغرافية، علاقة وثيقة بالجريمة، حيث إن هناك دراسات علمية أفادت بزيادة معدل الجريمة في المناطق الباردة أكثر من المناطق الحارة، وقال «من الأسباب الثانوية سوء التربية، وتفاعل الشخص مع المجتمع المحيط به، وغيرها من الأسباب التي تشكل شخصية وظروف الشخص ليكون مجرما، وهناك أسباب وراثية أخرى لها علاقة بالسن العمرية فنجد أن سن 18 23 يسهل فيه تغيير شخصية الفرد ومن هنا يتأثر». وبين أن الحلول تكمن في إيجاد فرص عمل للعاطلين، وقال «إن توظيف العاطل يقضي على أي جنوح له لارتكاب الجرائم بسبب الجوع، الفقر، البحث عن الذات بين أفراد المجتمع إلى جانب الحقد على المجتمع» مؤكدا أن إيجاد وظيفة مناسبة للعاطل تجعله شخصا فاعلا في المجتمع، حيث إنه بعد الوظيفة يبحث عن الزوجة ويبدأ في تكوين الأسرة والأبناء والمستقبل، دون أن يفكر في ارتكاب جريمة، ويبدأ في مراجعة كل خطوة يقدم عليها، مشيرا إلى أن البطالة تقود إلى ماهو أسوأ من الجريمة وهو الإرهاب.