انتقلت رسائل المربي الراحل عثمان الصالح بعد وفاته من «الكراتين» في مكتبته الشخصية في الرياض إلى أيدي القراء في معرض الكتاب الدولي للكتاب، في مؤلف أنيق موسوم بعنوان «رسائلي»، اعتنى بنشره ومراجعته ابنه «بندر»، والكاتب العكاظي خالد السليمان. ومن يتجول في المعرض يلفت انتباهه الكتاب بلونه الأسود، يتوسطه صورة الصالح باللونين الأبيض والأسود، إيحاء بأنها رسائل قديمة حتى قبل ظهور الألوان في الطباعة والتلفزيون، حينها لا يجد الزائر نفسه إلا مرغما على التوجه نحو الكتاب و«تقليبه»، فيجده يحمل رسائل كتبها الصالح، بعضها بخط يده وأخرى مطبوعة ب«الآلة الكاتبة»، قبل وجود جهاز الحاسب الآلي، وثالثة موجهة إليه من آخرين. ومثل هذه الرسائل تأتي ليستفيد ويستمتع بها الجيل الجديد في عصر التقنية والاتصالات الحديثة، التي أثرت في ابتعاده عن كتابة مثل هذه الرسائل، بما فيها من الأدب والعمق والقيمة، خاصة أن الشيخ الصالح أحد أبرز القيم السعودية الاجتماعية والثقافية والفكرية، ومراسلاته تحمل الكثير من العلم والمعرفة والأدب. قصة الطباعة ويحكي ابن المربي الكبير عثمان الصالح «بندر» قصة انتقال هذه الرسائل من «الكراتين» إلى المطبعة، وحرص والده عليها؛ قائلا: «في أحد الأيام قبل أكثر من 26 عاما، وبعد أن أتم والدي الانتقال من منزله القديم في شارع الخزان (في الرياض) إلى منزله الجديد في حي المؤتمرات، وكان منكبا على إعادة ترتيب مكتبته الشخصية، وتفريغ الصناديق التي أحتوت أوراق مكتبته الشخصية ومقتنياته، التفت نحوي وأشار إلى عدد من الصناديق التي تكومت في إحدى الزوايا، وأمرني أن أحملها إليه قائلا: (احرص تراها ثقيلة)، فقلت له: هل تحتفظ داخلها بأشياء مهمة؟!، فأجاب مداعبا: (بل أشياء ثمينة)، وأمرني أن أفتح واحدا منها، فوجدت أكداسا من الملفات الخضراء والأوراق التي طبعها الزمن بصفرته وغبرته، ثم قال لي: (إنها ثروتي، آمل أن تعي أهميتها، وأنت بلا شك تدرك ذلك، وعليك أن تعتني بها)، وظل بين وقت وآخر يسألني عنها: (ماذا فعلت بالكراتين يا بندر؟!)، حتى عرضت عليه بعض محتوياتها بعد أن قمت بالعناية بنظافتها وأرشفتها وإعادة تخزينها بشكل يضمن الحفاظ عليها». 10 آلاف رسالة أما الكاتب خالد السليمان فيوضح في مقدمته أن «صندوق رسائل المربي الشيخ عثمان الصالح أكثر من 10 آلاف رسالة، تفرض كل منها أن تكون جزءا من هذا الكتاب»، مبينا أنه «لم يكن من السهل فرز هذه الرسائل وتصنيفها بقدر ما كان صعبا أن نجد أنفسنا أمام رسائل فريدة نعجز عن نشرها على الرغم من الرغبة الشديدة في ذلك، بحسب حساسية تتعلق بالشخصيات والمحتوى أو المكان أو الزمان، وعندما تزول الحساسية ذات يوم، ويصبح نشرها ممكنا، سيدرك القارئ أن ما نشر في هذا الكتاب الذي بين يديه ليس إلا قطرة في بحر من مكونات فكر يسبق زمانه، لشخصية حازمة واءمت بين الجرأة والحكمة، والقسوة والليونة، والانضباط والمرونة». وأكد أن «رسائل ومكاتبات الشيخ عثمان الصالح لا تعكس شخصية رجل إداري اضطلع بمسؤولياته على أكمل وجه بقدر ما تعكس روح معلم سخر حياته منذ البداية لحمل لواء العلم في مجتمع كان يستجمع قواه ليشق طريقه للحاق بركب الأمم التي آمنت بأن العلم هو الوسيلة الوحيدة لتأهيل المجتمع للارتقاء ومواجهة تحديات المستقبل». وأضاف: «لقد رأيت في عينه يومها لمحة رضا وسرور وفرح، جعلت من مشروع هذا الكتاب هدفا أتطلع لتنفيذه، وفرصة لاسترجاع لحظات تلك اللمحة التي ما زالت تسكن وجداني، وأنا أضع هنا هذه الرسائل في متناول من عرفوا عثمان الصالح، ومن رغبوا في التعرف عليه».