عندما أقدم «البو عزيزي» على حرق ذاته وهو الشاب الجامعي الذي حرم من العمل واضطر إلى استخدام عربة ليبيع عليها الخضار والتي كانت تتطلب «ترخيصا» لم يحصل عليه مما أدى إلى حرمانه من العربة ومن ثم صفعه من قبل الأمن الذي كان يحدوه الأمل أن يعيد له ما يقوت به حياته وعائلته، كان هناك تكثيف للحالة العربية أو بالأحرى تكثيف لحالة بعض الشباب العربي في علاقته بالسلطة من خلال البو عزيزي، لذا كان تأثيره سحريا، «البو عزيزي» متخرج من الجامعة ويتخصص الفيزياء، لكنه لا يجد عملا، إنه كادر متعلم كان من الممكن أن يبدع وينتج ويبتكر، لكنه لم يجد وظيفة وطحنته البطالة وكذلك تفعل مع معظم الشباب العربي، ولا حاجة هنا للحديث عن البطالة فقد كتبت وغيري عنها باعتبارها أم وأب وجدة المصائب وقد أشبعت درسا وتحليلا لكنها باقية ومستمرة لشديد الأسف. البو عزيزي أيضا تم التعامل معه أمنيا بالقمع والعنف والضرب والصفع على الوجه، لقد فقد كرامته، ما يجمع البو عزيزي مع بعض الشباب العربي هو التعامل الأمني بدل التعامل الإنساني ومحاولة حل الإشكالات والمصاعب التي يواجهها الشباب والذي هو واجب الدولة. «البو عزيزي» يعرف ويعي مقدار الفساد المستشري، ويعرف الفاسدين بالاسم، ورغم ذلك تتعامل معه الدولة بالقمع وتعاقبه حتى وهو في موقع صاحب الحق، أنظر إلى مقدار المبالغ المهولة في بلدان كنا نظن أنها بلدان فقيرة في مواردها، ولكن نكتشف الآن كم فيها من المليارات التي كان من الممكن أن تخلق تنمية وليس مجرد نمو، بحيث تمس لقمة عيش المواطن وحقوقه وتجعله قادرا على ممارسة الحياة. أنظروا إلى ثروات القابعين في سجن الطره التي تزيد ثرواتهم على ما في البنك المركزي كما تعلق الصحف . «البو عزيزي» يعرف معنى الاحتجاج وأثره ودور الإعلام الجديد الفيس بوك والإنترنت وتويتر وغيرها ، لذا صور الاحتجاج «الحرق» ووصل إلى العالم كله وهكذا فعل شباب مصر ويفعل الآن شباب ليبيا وغيرها رغم كل الحجب والتعتيم والحصار، الشباب العربي يعرف أننا في لحظة الانكشاف وأن ليس هناك بعد اليوم ما يمكن اعتباره سرا أبدا «ويكيليكس مثالا». «البو عزيزي» يعرف الآن مفهوم حقوق الإنسان التي اضطرت كل الدول للحديث عنه شكلا بلا مضمون، لكنه يستوعبه ويراه وأصبح منشورا على صفحات الإنترنت، ويعرف حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إنه يعرف أن العمل حق من حقوق الانسان. «البو عزيزي» ينتمي ذهنيا للطبقة الوسطى حيث التعليم والتقنية والطموح والرغبة في الإنتاج والإبداع لكنهم في واقعهم الطبقي ينتمون إلى من هم تحت مستوى خط الفقر، فكيف يكون مستوى العاطلين عن العمل، أنظر لحال البلدان التي تجري فيها الأحداث، ستجد أن الشبيبة التي تجيد رفع الشعار وتعرف كيف تؤثر في الناس والعالم مسحوقة اقتصاديا ولا تكاد تحصل على لقمة العيش، قد يقول قائل هنا إن مثال «وائل غنيم» لا ينطبق عليه هذا القول، والجواب «نعم» لكن من نزل للشوارع هم كذلك في أغلبهم. ما نستطيع استنتاجه أن العامل المشترك في الحراك العربي في هذه البلدان هو ذو سمات مشتركة «تفشي البطالة تفشي الفساد غياب الكرامة التعامل الأمني والقمعي غياب الحريات» بناء على ذلك ماذا نسمي هذا الحراك «الثورة» في كل من مصر وتونس؟. الثورات في أوروبا برجوازية تنزع للحرية على حساب العدالة، لذا سميت ثورات برجوازية، وجرت محاولة لقيام نظام اشتراكي في روسيا وأوروبا الشرقية وقدمت لقمة العيش على حساب الحرية وقامت ثورات إسلامية في إيران وأفغانستان والسودان وباكستان ولم تقدم لا الخبز ولا الحرية، فماذا نسمي ثورتي تونس ومصر؟. في تصوري المتواضع أنها ثورات تجمع بين الحرية والعدالة، لأنها وحسب التوصيف السابق لها بزغت نتيجة غياب الاثنين معا، عنصر الديمقراطية والحياة المدنية قوي بما فيه الكفاية لكن الجانب الآخر هو توق الشباب والشعب للعدالة وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروة ومحاربة الفساد وحق العمل والرفاه .بالإضافة إلى مشاركة الشعب بكل فئاته وطبقاته وبدون قيادة حزب أو رمز. إنها قالب جديد من الثورات المدنية الديمقراطية ستتعدى في مضامينها الإنسانية ما أنتجته البشرية، وستقدم مثالا جديدا لها، ذاك هو ما يفسر المفاجأة التي تلقاها الغرب وأمريكا من ضمنه وكذلك السلطات والأحزاب وكل من له علاقة بالسياسة سابقا لأن تفكيرهم ينتمي لعصر مضى، بينما هذه الثورات تنتمي لعصر جديد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة