استبشر الاقتصاد الأمريكي الأسبوع الماضي باستمرار ارتفاع مؤشر الاستدانة للشهر الثالث على التوالي، أي أن الأمريكيين يستدينون من البنوك بنسب أعلى وبالتالي ينفقون أكثر على الاستهلاك. ولكن مثل هذه الأخبار لا تكون أبدا مصدر استبشار لو حدثت في اقتصادنا المحلي، بل على العكس تماما. ويكمن السبب في أن إنفاق الأمريكيين المبالغ التي استدانوها سيكون في الغالب على سلع منتجه محليا، ما يحفز الاقتصاد على النمو وزيادة التشغيل والتوظيف والتصدير. فمن المعروف أن الإنسان يحصل على السلع والخدمات إما عن طريق إنتاجها بنفسه أو شرائها من الغير، وفى كل الأحوال يحتاج إلى نقود تمكنه من ذلك. وإذا لم يكف دخل الفرد سواء من العمل أو غير العمل لتوفير النقود اللازمة للشراء يلجأ بعض الأفراد إلى الاستدانة من آخرين وخاصة المؤسسات المالية. وهناك العديد من الأسر تغريها التسهيلات المتاحة للحصول على قروض الاستهلاك، لكنها تجد نفسها مع نهاية الشهر أمام أوضاع يصعب التحكم فيها بين دفع قروضها وتوفير مستلزمات الحياة. وخلال الظروف الاقتصادية التي يزداد فيها معدل التضخم فإن القطاع المصرفي يحقق أرباحا إضافية تتمثل في الفرق بين تكلفة الاستدانة ومعدل التضخم، أما خلال الظروف الاقتصادية الانكماشية حيث يتم التحكم في المؤشرات الكلية، وخصوصا معدل التضخم بحيث تكون تكلفة الاستدانة أعلى من سعر التضخم، فإن ذلك يؤدي إلى إعسار الكثيرين وإعادة توزيع الثروة لصالح الأغنياء وملاك الأصول ولغير صالح الموظفين والعمال وأصحاب الدخل المحدود، فتزيد معدلات الإعسار والإفلاس ومساجين الحق المدني. وكما تتخذ الدولة ومؤسساتها التدابير التي تهدف أساسا إلى حماية الأسر من الاستدانة المفرطة، فإنها أيضا وبشكل عام توجه الاقتصاد الوطني نحو الإنتاج المحلي. فعندما تكون معظم التسهيلات موجهة لقروض شراء السيارات أو السلع الأخرى المستوردة، فإن ذلك يعني ارتفاع الواردات من السيارات وقطع الغيار وبقية السلع المستوردة، ما يستدعي حماية الاقتصاد الوطني بتنمية الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل، واتخاذ التدابير التي تهدف إلى الحد من اللجوء إلى الاستيراد والتوجيه التدريجي لبعض المنتجات الوطنية دون المساس بحرية الاقتصاد من خلال إنشاء مشاريع كافية لتوسيع فرص التشغيل، وإتاحة فرص توظيف جديدة في الصناعات الصغيرة والريفية ودعم وترويج منتجاتها وتوفير التمويل اللازم لها من المؤسسات المالية بعد تفهم أهميتها ودورها في تنمية الاقتصاد الوطني.