أتحدث عن صحافتنا في ذلك الزمن.. عندما كانت معظم مبانيها مستأجرة، وكانت مطابعها تعمل بأحرف الرص اليدوي ومطابع (إنتر تايب لينوتايب)، وكان الإخراج الصحافي يتم بالرسم والتخطيط اليدوي على الورق.. ولا توجد فيها وسائل اتصالات حديثة من (فاكس وجوال)، ولم تكن هناك أجهزة لتسجيل الأحاديث واللقاءات الصحافية.. أي أن كل شيء فيها كان بدائيا (بالبركة).. وكان غالبية المحررين الصحافيين العاملين فيها من غير السعوديين، ومعظمهم من مصر العربية.. ولم تكن هناك إدارات للعلاقات العامة في كل الدوائر والمؤسسات سوى في إمارة منطقة مكةالمكرمة والخطوط السعودية، حيث كانتا السباقتين لإنشاء هذه الإدارة على مستوى المملكة. في المقابل، كانت معظم الصحف أشبه بخلية نحل صحافية لا تهدأ، ولا توجد ساعات محددة للدوام الرسمي للصحافيين العاملين فيها، وكان المحرر الصحافي يخرج من منزله في الصباح الباكر لا لكي يذهب للصحيفة التي يعمل فيها، بل إلى ميادين العمل والإنجاز.. يلتقي المسؤولين مباشرة دون وسيط، ويجري معهم الأحاديث واللقاءات الصحافية الحية.. ويستقي الأخبار الفورية، ومن ثم يأتي للصحيفة مساء ومعه حصيلة عمله اليومي، ليباشر بنفسه صياغة المواد الصحافية التي أعدها ويضع، لها العناوين المناسبة، ومن ثم يقدمها إلى رئيس التحرير أو مدير التحرير للاطلاع عليها وإجازتها للنشر، وكان الصحافي يعتمد على قدراته وحسه الصحافي وعشقه لهذه المهنة، برغم تدني الرواتب وغياب الحوافز. كان رؤساء ومديرو التحرير يتواجدون في مواقع الأحداث، ويجرون الأحاديث واللقاءات الصحافية الهامة (مباشرة).. وكان السبق الصحافي والمنافسة الصحافية هما ديدن العاملين في تلك الصحف، وكان الصحافيون يتواجدون في مقار الصحيفة مساء كل يوم إلى وقت متأخر من الليل، يجتمعون برئاسة رئيس التحرير أو مدير التحرير لمناقشة الأخطاء، ومواكبة ما نشر في الصحف الأخرى (في نفس اليوم)، ولا سيما فيما يتعلق بانفراد تلك الصحف بمواضيع هامة، ومعالجة جوانب التقصير في نفس اليوم. كان المناخ الصحافي في تلك الصحف (أسريا بمعنى الكلمة)، برغم المنافسة بين الصحافيين ليقدم كل منهم الأفضل ويحقق التفوق للصحيفة التي يعمل فيها، كان رؤساء ومديرو التحرير أشبه بالآباء أو الإخوة الكبار لكل الصحافيين العاملين معهم، فلا تسلط ولا تكبر ولا غطرسة، بل محبة وتوجيه وتشجيع.. فكان ذلك المناخ الذي يعمق حب العمل والانتماء إليه، ويشعل روح الحماسة عند الجميع . كان رؤساء التحرير يدافعون عن العاملين معهم بكل الوسائل، ولا يقبلون بالمساس بأي زميل يعمل معهم.. هكذا كانت صحافة الأمس.. حبا وعشقا وتكاتفا ونجاحا.. وأنأ لا أريد العودة إلى الماضي والإمكانات المتواضعة، ولكنني أريد تنشيط الروح الصحافية لتكون شبيهة بذلك الزمن الذهبي.. وبالله التوفيق. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 266 مسافة ثم الرسالة