في الأسبوع الماضي دخلت كلية علوم البحار في جامعة الملك عبدالعزيز، وهي تحتفل بعيد ميلادها الثلاثين، مرحلة جديدة من النشاط العلمي بتوقيعها اتفاقية تعاون مع معهد ليبنز للعلوم البحرية في جامعة كييل في ألمانيا. وبموجب هذه الاتفاقية وصلت سفينة الأبحاث «بوسيدون» التابعة للمعهد والمجهزة بأحدث الأجهزة العلمية إلى ميناء جدة للبدء في جمع العينات لإجراء البحوث في أربعة مواضيع تشمل جيولوجية وبيئة وموارد البحر الأحمر. سوف تجرى هذه البحوث التي ستستمر لمدة ثلاث سنوات بواسطة أربع فرق علمية تضم 17 عضو هيئة تدريس من جامعة الملك عبدالعزيز و21 عضوا من معهد ليبنز، كما سيشارك فيها طلاب الدراسات العليا في الجامعتين، وستغطي الدراسات مناطق مختلفة من البحر الأحمر مع التركيز على المنطقة الواقعة غرب جدة وحتى نهاية الحدود السعودية في منتصف البحر. تهدف هذه البحوث إلى التعرف بصورة أعمق على جوانب مختلفة من البحر الأحمر (التغيرات الجيولوجيا التي تحدث في قاعه، مكونات مياهه، تياراته، براكينه، أسماكه، شعابه المرجانية، البكتيريا والكائنات الأخرى التي تعيش فيه)، كما تشمل تطوير نظام للمراقبة الساحلية كأساس لدعم التخطيط البيئي لهذه المناطق. ومنذ بداية نشأتها بدأت جامعة الملك عبدالله في ثول برنامج تعاون وثيق مع معهد وودزهول في ولاية ماساتشوستس الأمريكية لإجراء دراسات بحرية مختلفة تشمل تحديد المكونات الوراثية «الجينوم» لمختلف أنواع الشعاب المرجانية والكائنات التي تعيش في البحر الأحمر والتعرف على خواصها الفريدة. وفي جنوب المملكة بدأت جامعة جازان تأخذ مكانتها كإحدى الجامعات الرئيسة التي لا شك ستلعب دورا مهما في دراسة المنطقة الجنوبيةالغربية للبحر الأحمر وجزر فرسان الغنية بأسماكها وكائناتها وطبيعتها ومواردها البحرية. لا شك أننا بحاجة ماسة إلى إجراء الكثير من الدراسات المتعمقة للتعرف على بيئة البحر الأحمر الذي يعتبر من أكثر البحار استحقاقا للدراسة. هذا البحر يعتبر بيئة مستقلة بذاته عن بقية البحار لأنه منعزل عنها فهو لا يتصل بالمحيط إلا عبر مضيق باب المندب الضيق، ولذا فإن مياه البحر الأحمر تستغرق نحو مائة عام لتتجدد بالاختلاط مع المحيط. ويعتبر البحر الأحمر من أغنى بحار العالم بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية التي لم يكتشف الكثير منها بعد أو لا نعرف عنها إلا القليل، ولا شك أن هذه الكائنات تخفي كنوزا من المعرفة، وتحمل منتجات جديدة قد يكون لها أهمية كبيرة في العلم والطب والصناعة. البحر الأحمر يمثل لبلادنا ثروة هائلة ليس فقط بمقياس ما وفره لنا ولأجدادنا من القدم من صيد وفير أو كوسيلة اتصال أساسية تحمل إلينا من نواحي العالم كل ما نحتاجه من غذاء ولباس ومواد بناء وكل مستلزمات الحياة، ولكن بما يمكن أن يوفره لأبنائنا من مصدر أساسي للدخل المعتمد على السياحة. بلادنا تملك بفضل الله أطول السواحل على هذا البحر، وهذه الحقيقة تلقي علينا المسؤولية الدائمة التي تستوجب علينا التعرف الوثيق على هذا البحر والمحافظة عليه من كل ما يهدده من تدهور بيئي أو جمالي. ونفس الكلام ينطبق على ساحلنا الشرقي للخليج العربي الذي يعتبر أهم درب للطاقة في العالم. أتمنى أن توقظنا كل الدراسات التي ستقوم بها جامعاتنا بالتعاون مع بعض أشهر المراكز البحثية في العالم لننتبه إلى ما فعلناه وما زلنا نفعله من تعد جائر على بيئة البحر الأحمر وجماله، ويشمل ذلك ردم سواحله وتجريفها وإطلاق العنان للغزو العمراني على شواطئه، وتلويثه بمياه الصرف الصحي والصناعي والصيد الجائر لأسماكه وكائناته. ولن يكفي أن نقف مستمعين ومتفرجين أمام ما ستوضح لنا هذه الدراسات من التدهور البيئي الذي حل بهذا البحر بسبب أعمالنا، ولكن الأهم أن نستفيد منها فعلا بتبني استراتيجية جادة لوقف هذا التدهور في أقرب فرصة ممكنة واتباع طرق التنمية المستدامة. البحر الأحمر أمانة في أعناقنا، وهو كنز ثمين أتاحه الله لنا لكي نفهمه ونحس بجماله وقيمته ونشبعه بحثا ودراسة، ليس إتلافا وتدميرا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة