كنت أقف في انتظار دوري أمام موظف جوازات في أحد المطارات الخليجية. قفز أمامي مسافر مستعجل، أو هكذا ادعى، فرفضت أن يأخذ دوري، ولعلها أنانية مني. المهم أن استعجاله هو على أنانيتي قادتنا إلى احتكاك صوتي خفيف، فما كان من موظف الجوازات إلا أن أخذ جوازي سفرنا وقال: عندما تحلان خلافكما عودا إلي. وانصرف لخدمة مسافر آخر. قد يحق لموظف جوازات في لبس عسكري أن يرفض خدمة مسافر لخلافه مع مسافر آخر، لكن لا يحق له، حسب علمي، أن يحجز جواز السفر إلا في حالتين: إما أن يكون هناك اشتباه في المسافر أو اشتباه في الجواز. لا أراكم الله ماذا حدث للموظف عندما أخبرته بذلك. فقد سطع ولمع ونبع الغضب من عينيه كما ولو كنت قد ارتكبت جريمة عظيمة، إذ كيف أجرؤ على قول «ليس من حقك؟» طلب بنبرة غاضبة أمام الناس أجمع، مني ومن الآخر، أن نذهب إلى «تلك الحجرة التي هناك» حتى يقرر سعادته متى يعفو عنا ويسمح بالسفر، أو لعله لا يسمح. ذهبنا إلى حيث أشار، ومن هناك توجهت إلى غرفة الضابط المناوب وأخبرته القصة. ذهب وسأل موظف الجوازات عن ما حدث ثم عاد. بعد لحظة صمت قال لي «حسنا، سأعطيك الجواز (وكأنه هبة لا أستحقها)، لكنك أخطأت عندما قلت إنه ليس من حقه أخذ جوازك». استغربت من حديث الضابط المسؤول وسألته: موظف قرر أن يحجز جواز سفري بدون وجه حق، فما الذي تريدني أن أقول له؟ أشكره، أم أقبله، أم أعطيه كل ما في حوزتي من وثائق أخرى وألغي رحلتي كلها؟ انتهت القصة بعد أن أخذت جوازي وهرولت إلى طائرتي التي كادت تقلع بدوني. كنت في هرولتي أفكر كيف لموظف بسيط، بسيط جدا، أن يبتكر قانونا من تلقاء نفسه؟ لم تكن غضبة الموظف بسبب خلافي مع مسافر آخر، ولا لأننا تزاحمنا على مكتبه، ولا لأن أحدنا كان عطن الرائحة، بل إن سبب ثورة الموظف كلها وما أحال الدنيا ظلاما في عينيه أن قلت له «ليس من حقك»، ذلك أني بكلمتي هذه تطاولت على حق وهبه هو لنفسه ليتسلط به على الآخرين. وليته وحده من فعل، بل حتى من يرأسه ارتأى أني أخطأت في الدفاع عن حق هو لي بالفطرة، مفترضا أن حقه هو كموظف دولة أو شرطة أكبر وأعظم من كل ما لي أنا من حقوق. كنا نسمع دوما أن الشرطة في خدمة الشعب، لكني تيقنت بعد حادثتي تلك أن الشعب في عالمنا الجميل هو الذي في خدمة الشرطة أحيانا. [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة