رحلت إسرائيل ملفاتها السياسية والأمنية إلى العام 2011، فيما لا يلوح في الأفق احتمال حدوث تقدم أو تصعيد دراماتيكي في ثناياها، إن كان على صعيد السلام مع الفلسطينيين وسورية وما ينتج عنه من تحسين العلاقات مع تركيا، أو لناحية التصعيد الأمني مع حماس وحزب الله وإيران. وتراجعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن تسمية العام 2011 ب «عام الحسم» بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني، بعد أن استهلكت هذه التسمية في الأعوام السابقة. وقال محلل الشؤون الاستخباراتية والاستراتيجية في صحيفة «هآرتس» يوسي ميلمان إن هذه التسمية ترحل تلقائيا منذ العام 1993. ومن بين أسباب تراجعها هذه السنة أيضا أن إيران واجهت صعوبات في تطوير برنامجها النووي «وهذا ما شهدناه في العامين الأخيرين»، بعد أن أصاب الفيروس الإلكتروني أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالبرنامج، وهو ما اعترف به الرئيس محمود أحمدي نجاد. وأضاف ميلمان الذي يعد أحد أكثر الصحافيين قربا من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية: «نعلم وجود صعوبات لأنه كان يعمل في مفاعل نطنز تسعة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، ويعمل اليوم فيه أقل من أربعة آلاف جهاز طرد، وهكذا فإن تغيير التقييمات الاستخباراتية يرتكز على الواقع أيضا». لكنه أشار إلى أن إيران لديها التكنولوجيا للحصول على قدرات نووية، والتقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية تقول إنها ستتجاوز العقبة التكنولوجية، وليست على مسافة بعيدة من سلاح نووي، وخلال سنة أو اثنتين ستصنع القنبلة»، على الرغم من محاولات إلحاق الضرر يبرنامجها النووي. وأقر بعدم وجود خيار عسكري حيال هذا البرنامج لأن الولاياتالمتحدة لن تهاجم إيران، طالما أن قواتها موجودة في العراق وأفغانستان. ولهذا السبب فإن إسرائيل لن تهاجمها أيضا ولن يتم تكرار ما حصل للمفاعل السوري (ضرب في سبتمبر 2008)، من خلال مهاجمة منشآت نووية في إيران. ورغم أن إسرائيل تربط بين إيران وبين حماس وحزب الله وتعتبرهم محورا راديكاليا وحلفا ضدها، فإن التقديرات لا تتوقع تصعيدا أمنيا أو حربا في المنطقة. وقال ضابط في الجيش مطلع على التقييمات الإسرائيلية، طالبا عدم ذكر اسمه: «تقديرنا هو أنه غير متوقع حدوث تصعيد في الفترة القريبة ضد حماس أو حزب الله»، ومستدركا أن كل شيء في الشرق الأوسط قد يتدهور. وفسر ذلك بأنه «في الأساس ليس لديهما (حماس وحزب الله) أية مصلحة في تصعيد الوضع لأنهما مرتدعان وشاهدا رد فعل الجيش الإسرائيلي الشديد في عملية الرصاص المصبوب على غزة، وحرب لبنان الثانية (2006)، وكذلك لأسباب داخلية لديهما تشمل الردع». لكن العديد من المسؤولين في الحكومة والجيش أطلقا خلال الأسابيع الأخيرة تهديدات ضد حماس في غزة، على خلفية إطلاق صواريخ قسام في اتجاه جنوب إسرائيل. وفي موازاة استبعاد التصعيد أمنيا، فإن التقديرات تستبعد أيضا حدوث انفراج سياسي في عملية السلام مع الفلسطينيين أو سورية، وهو السبب نفسه الذي يمنع تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وأوضح المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون ليئيل أن أغلبية الوزراء وأعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) يعتقدون أن أي تقدم سيكون ضد مصلحة إسرائيل، ولذلك فإن الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا الحل الدائم يعني أنه سيتم رسم حدود الدولة الفلسطينية وإخلاء مستوطنات «وهذه المستوطنات مهمة بالنسبة لهم». وأضاف ليئيل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الشخص المقرر، وبمقدوره حسم الأمور إذا أراد دفع المفاوضات مع الفلسطينيين، لكن «طالما أنه يعتقد أن أي تقدم ليس في صالح إسرائيل، وإنما في صالح (الرئيس الأمريكي باراك أوباما)، فإنه سيحاول المماطلة». ورأى أنه على الرغم من أن نتنياهو وافق على حل الدولتين، وعلق البناء الاستيطاني لمدة عشرة شهور واستأنفه، لكن على أرض الواقع لم يحدث شيء، «وللأسف لا أرى انقلابا حقيقيا في تفكير نتنياهو، مثلما حدث لدى سلفيه ولدى رئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني». وفي ظل غياب إمكانية التقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الإمكانية الأخرى هي إعادة القيادة الإسرائيلية النظر في احتمال بدء مفاوضات جدية مع سورية، وهذا ما توصي به قيادة الجيش منذ مدة طويلة. وأكد أنه بسبب جمود المسارين الفلسطيني والسوري، فإن علاقات تل أبيب بأنقرة لن تتحسن لأن القرار حول شكل العلاقات ونوعيتها ليس بيد حكومة إسرائيل، وإنما بيد الحكومة التركية. وأفاد ليئيل، الذي شغل سابقا منصب القائم بأعمال السفير الإسرائيلي في أنقرة وله عدة مؤلفات عن تركيا، أنه في تاريخ العلاقات بين البلدين كانت تركيا دائماً تقرر حسن أو سوء العلاقات، ومنذ عام ونصف قررت الحكومة التركية أيضا تدهور العلاقات لعدة أسباب، بعضها إقليمي وبعضها يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. وتعتبر إسرائيل أن حالة «اللا سلم واللا حرب» في المنطقة مترابطة، وهي لا تخشاها، لكن أكثر ما تخشاه الآن هو ما تصفه بحملة نزع شرعيتها، تقوم بها منظمات غير حكومية، جراء غياب السلام، وتأثير ذلك على الحكومات والمجتمعات في الدول الغربية التي تنشط فيها هذه المنظمات.