استطاع أن يعيد الزمن الجميل لرياضة ألعاب القوى، بعد أن اختفى بريقها منذ سنوات وأصبح أحد أبطال اللعبة الذين يشار إليهم بالبنان، بعدما عانت كثيرا من جفاف البطولات والإنجازات العالمية، العداء محمد شاوين الذي دون اسمه بحروف من ذهب في سجلات السباقات القارية، إثر تحقيق الميدالية الذهبية في أولمبياد آسيا، يفتح قلبه ل «عكاظ» ليكشف عن أبرز اللحظات التي عاشها كبطل وقبل ذلك عندما كان هاويا للعبة، إلى جانب تطرقه لكيفية انتزاعه الميدالية الذهبية من أبطال القارة، وكيف خطط لذلك، كما تطرق لأبرز المدربين الذي تعاقبوا على تدريبه، كاشفا عن أبرزهم العداء السابق سعد شداد الذي كان له الفضل بعد الله في تتويجه بالميدالية الذهبية؛ نظرا لتكتيكه الجيد الذي وضعه للفوز بالسباق، شاوين يضع النقاط على الحروف في هذا الحوار الذي نستعرض ثناياه في السطور التالية: • كيف كانت البدايات؟ البداية كانت من الصغر، حيث إني من عشاق سباقات اختراق الضاحية التي كنت أشارك بها في المدرسة والحارة، وأجد نفسي ميالا لمثل هذه الرياضات، لاسيما أني كنت أحلم أن أكون من الأبطال لهذه السباقات، إلى جانب ذلك كنت أمارس كرة القدم مع الأصدقاء في الحارة من حين إلى آخر، إلا أن السباقات كانت هاجسي الأول، بعد ذلك تطور الأمر إلى متابعة حثيثة لسباقات الجري سواء التي تنظمها المملكة أو التي نشاهدها في القنوات الفضائية، لاسيما الألعاب الأولمبية التي كانت تشدني أكثر من مشاهدة مباراة في كرة قدم، وقد ساهمت الجوائز التي حققتها في السباقات المدرسية التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم في تعلقي بهذه اللعبة، بعد ذلك نصحني عدد من الأصدقاء بالتحول للسباقات القصيرة؛ نظرا لسرعتي في الركض والالتحاق بأحد الأندية من أجل صقل الموهبة في ظل الإمكانيات العالية التي تتمتع بها الأندية، وفي مطلع عام 2002م التحقت بالنادي الأهلي للاستفادة من صالة الحديد والمسبح وكافة الإمكانيات، وبالفعل بعد انضمامي للنادي الأهلي أستفدت كثيرا وشعرت أني دخلت في مرحلة أخرى من الجد والانضباط والطموح، ولا أخفي عليكم أني كل مرة أتدرب أقول لنفسي إن شاء الله أكون بطلا، كما تعلمت كيف أرتب حياتي الخاصة والرياضية وتنظيم برنامجي الغذائي. شداد الأبرز • من هم المدربون الذين تدين لهم بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى في بروزك؟ كما ذكرت الفضل لله عز وجل، ثم لكل من نصح ووجه محمد شاوين من بدايتي في المدرسة، سواء كان من الأصدقاء أو الإخوان أو المدربين الذين لم يبخلوا على محمد شاوين بشيء، البدايات مع إبراهيم عبدالحفيظ، بعد ذلك مع الكابتن نذير، ومن ثم خليفة علي، إلا أن نقطة التحول في حياتي مع المدرب العالمي سعد شداد، الذي علمني الاحتراف الحقيقي كمتسابق عرفت منه متى أنام وكيف أتدرب وأبرمج ألتزاماتي لتتوافق مع المعسكرات الطويلة والمستمرة. خبرة طويلة • كيف تعلمت من سعد شداد؟ الكابتن سعد سخر كل خبرته الطويلة في الميادين لأستفيد منها، ولا أخفي عليك سعد شداد منحني الثقة في النفس وبث الحماس فيني، فقد كان طوال الوقت يحفزني، مما جعلني أبحث عن الفوز في كل سباق أشارك فيه، حتى لو كان ذلك السباق وديا بهدف تعويدي على أجواء السباقات الرسمية، إلى جانب أن سعد من المدربين الذين لا يضعون المتسابق تحت ضغوطات بحيث لا يعيد الكلام، وإنما يقول الذي يريده في محاضرة وبعد ذلك يترك اللاعب يستعد للسباق وهو مرتاح، دون أن يحمله أعباء نفسية قد تثقل أقدامه في السباق أثناء الركض. بدايات الدوحة • كيف خططت للمشاركة؟ الحمد لله بعد مشاركتي في أسياد آسيا عام 2006م في الدوحة، وحصولي على المركز الرابع وضعت هدفا أمامي وهو الميدالية الذهبية في بكين، وبالفعل أنطلقت في التدريبات والمعسكرات، وساعدني على تحقيق حلمي الأمير نواف بن محمد الذي كان يشجعني باستمرار وكان يتصل علي ويقول لي بالحرف الواحد «أي شيء تحتاجه لا تتردد المهم تعسكر جيدا وتتغذى بانتظام ولا يهمك»، كذلك المدرب سعد شداد فهما كانا يتوقعان حصولي على ميدالية ذهبية على مستوى آسيا، هذه العوامل جعلتني أبرمج حياتي على ميدالية بكين 2010م، حيث كنت أضع لنفسي شعارات في كل مرحلة بهدف التحفيز، والحمد لله مع اقتراب الدورة وضع الكابتن سعد شداد برنامجا محددا، أبرز سماته هي أني لم أكن أفكر إلا في المشاركة، وكان سعد عندما يدربني يدخلني أجواء السباق من أجل التعود على المنافسات، وكنت بالفعل أشعر في كل مرة أني في السباق النهائي، كما أني حققت أرقاما وأزمنة عالمية عام 2008م، وكان الأمير نواف يقول: هذه الأرقام بوادر خير لك في البطولات المقبلة، وفي عام 2009م كانت هناك سباقات تنظم كبروفات لأولمبياد آسيا في نفس موقع الحدث القصد منها تعويد المتسابقين. تضحية عماد • كيف دخلت المنافسات؟ المنافسات بدأت في الأدوار الأولى، لاسيما أن هناك عدائين مميزين مثل البحريني بلال منصور، إلى جانب متسابق إيراني، فهما مؤهلان للفوز، وخلال المسابقات الأولية كنت حريصا على الفوز من أجل تثبيت أقدامي، وكلما فزت في سباق كان ذلك بمثابة الضغط النفسي على المتسابقين يوم السباق الختامي، «وكانت تلك خطة سعد شداد لوضع المنافسين تحت الضغط ونجحت الخطة»، عندما وصلنا إلى السباق الختامي اجتمع بنا الكابتن سعد شداد قبلها بيومين وحدد الخطة التي سنخوض بها السباق، وطلب من زميلي عماد محمد أن يضحي بالسباق وتحملت أنا مسؤولية الفوز به، وهذا التكتيك يجذب المتسابقين إلى عماد ليتيح الفرصة لي للفوز بالسباق، وأجرينا بروفات لشكل السباق، وكان عماد سعيد بأنه سيضحي من أجل الوطن، في الوقت نفسه شعرت بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، وصممت على تحقيق طموحات الجمهور السعودي، وكذلك ترجمة جهود المدرب والاتحاد السعودي لألعاب القوى، مما جعل درجة الحماس لدي ترتفع، وكان من عادة المدرب العالمي سعد شداد أنه لا يحضرنا إلى المضمار إلا قبل بداية السباق بفترة قصيرة حتى لا نبرد ويتبدد حماسنا؛ لأن الساعات الطويلة تفقدك الدافع وتشتت التركيز بدون أن يشعر المتسابق بذلك، الحمد لله حضرنا بتركيز عال وروح عالية ساعدتني على الفوز. تكتيك الأرقام • كيف كان التكتيك للسباق؟ الأماكن في السباق الختامي تحجز حسب الأرقام التي يحققها المتسابق في السباقات التمهيدية، بالتالي كنت حريصا على الحصول على أرقام جيدة، وعندما انطلق السباق كان التكتيك «الركض بنفس سرعة الخصم» بحيث لا أكون بعيدا عن المقدمة ومع اقتراب السباق من نهايته كنت أزيد من السرعة حتى وصلت إلى ما قبل النهاية ب150 مترا، لحظتها أستنفرت سرعتي وكنت لا أنظر للخلف حتى لا أضيع ثواني من الوقت، أيضا لكيلا أفقد تركيزي، وشعرت أن المتسابق الذي يركض خلفي هو الإيراني، ومع ذلك لم ألتفت إليه، الأمر بالنسبة لي الركض للأمام وبذل كل ما في جهدي، والحمد لله تحقق ذلك وفزت بالميدالية الذهبية وتحقق الحلم. الثواني الأخيرة • ما هي أصعب اللحظات التي عشتها في السباق؟ آخر 20 مترا شاهدت خط النهاية وقلت في نفسي من باب التحفيز: إما أحقق الميدالية الذهبية أو الموت في أرض السباق، لاسيما أن الوقت المتبقي ثلاث ثوان فقط، وبالتالي بذلت أقصى طاقة لدي وبعد الفوز قام المتسابق الإيراني بتهنئتي، وقال لي: ماذا فعلت بنفسك في الثواني الأخيرة؟! أنت انتحرت من أجل الفوز وبذلك أبارك لك هذا، فأنت لم تركض بقدميك أنت ركضت بعقلك وبذكاء عال، وأنا سعيد أنك فزت بالسباق طالما أنك مسلم، وكذلك المتسابق البحريني بلال منصور، وقال: تركيزك العالي سبب فوزك، وللمعلومية بلال منصور من المتسابقين المتعاونين معي فقد كان يقدم لي النصح والإرشاد قبل انطلاق السباق. • ماذا فعلت بعد فوزك بالسباق؟ ذهبت إلى سعد شداد الذي حضنني بفرحة شديدة لدرجة أصبح يضربني على ظهري بقوة، وهو يردد: «هؤلاء الرجال الذين نعتمد عليهم»، وللمعلومية سعد شداد كان يخفي عني حماسه وقلقه في السباق، مع ذلك شاهدت الميدالية الذهبية في وجهه الذي كان يتغير مع كل منعطف، وكان منفعلا وكأنه هو الذي يركض، وبعد نهاية السباق انطلق نحوي فرحا، عندما سألته لماذا تخبي عني هذا؟ قال: أنا لا أحب أن تشاهدني مشدودا من أجل الفوز بالميدالية حتى لا تؤثر عليك، وهذا أسلوب جميل من المدرب سعد شداد، وبعد ذلك ذهبت للمنصة لوجود الأمير نواف بن محمد الذي كان سعيدا بالفوز، وصعدت المنصة من الخلف للسلام عليه، وبعد ذلك عدت لاستلام الميدالية، ومن ثم تبادلت التهنئة من قبل زملائي العدائين. بطولة كوريا • بماذا تفكر الآن بعد تحقيقك الميدالية الأولمبية الآسيوية؟ أنا أستعد للسفر لإقامة معسكر إعدادي للمشاركة في الموسم المقبل، لاسيما أن هناك بطولة كوريا عام 2011م، وأطمح تحقيق إنجاز آخر للوطن، خصوصا أن برنامج الاتحاد الآسيوي لألعاب القوى طويل، وهذه تعتبر مشكلة لنا كمتسابقين، حيث لا نستمتع بإجازة كافية على اعتبار أن المتسابق يجب أن يرتاح 15 يوما بعيدا عن الرياضة ولا يتقيد ببرنامج معين خلال إجازته، وبعد ذلك هناك 15 يوما من الإجازة يبدأ فيها بترتيب برنامجه استعدادا للعودة للمعسكرات والمشاركات، لذلك نحن في آسيا لا نستطيع أخذ إجازة كافية لأن البطولات الآسيوية تأتي في نهاية العام، ولا يفصلها وقت كاف عن المشاركات في بطولة العالم أو الألعاب الأولمبية أو المنافسات الأخرى، بينما المتسابق في أوروبا أو أمريكا يرتاح بصورة كافية تضمن له الحضور الذهني والبدني في السباقات. تداخل البرامج • كم ساعة يفترض أن تتدرب؟ أنا أتدرب على فترتين صباحية من ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين، وفي المساء من ساعتين إلى ثلاث ساعات، في السابق كنا نتدرب في الأندية على مضمار الملعب الرئيس، إلا أن هناك تداخلا بين برامج الفرق الكروية وبين العدائين، سواء في النادي الأهلي أو غيره، ولأجل ذلك نقل الأمير نواف بن محمد تدريباتنا إلى ستاد الأمير عبدالله الفيصل، وكان قرارا حكيما وأصبحنا نأخذ راحتنا بشكل أفضل دون مضايقة من الآخرين. • هل المضمار الذي تدرب عليه قانوني؟ هناك أنواع من المضامير، أولها: المضمار السريع، وهذا غير موجود في المملكة لكنه موجود في قطر والصين، وهناك مضمار وسط، والموجود في ستاد الأمير عبدالله الفيصل، لكن لا يشكل الأمر عائقا في التدريبات لسببين، الأول: أغلب تدريباتنا في معسكرات خارجية، والأمر الآخر التدريب على مضمار من الفئة الثانية يؤدي الغرض وبالتالي ليست هناك مشكلة. • كيف تنمي مهارتك كمتسابق؟ من خلال توجيهات المدرب وأحيانا من خلال مشاهدتي لسباقات عالمية، لاسيما أني من الحريصين على مشاهدة العداء المغربي هشام الكروج، فقبل أي منافسات أحضر أشرطة فيديو لهشام الكروج وأتابعها، كما أني حريص على مشاهدة السباقات التي أشارك فيها من أجل الاستفادة من أخطائي. مؤامرة الزملاء • كثير من العدائين يقعون في المحظور (المنشطات)، هل يشكل ذلك هاجسا قبل دخولك المنافسات؟ العداؤون يحرصون دائما على الابتعاد عن المحظورات، وهناك قائمة يجب على المتسابق تجنبها وغالبا ما تكون أدوية، لذلك تجد العداء حريصا على عدم تناول أي شيء حتى لو كان ذلك من زملائه؛ لأن كثيرا من المتسابقين يقعون في المحظور والسبب تناول منشط عن طريق مؤامرة ينظمها زملاؤه، لذلك أحرص على عدم أخذ أي شيء حتى أعود إلى الطبيب الخاص بي، وأحب إضافة معلومة عندما أتعرض لمرض انفلونزا وأذهب إلى المستشفى أبلغ الدكتور أني متسابق بهدف عدم صرف علاج به منشط، والحمد الله أسير وفق برنامج متكامل سواء على صعيد التدريبات أو الأمور الطبية، كما أن هناك مراقبة دولية من قبل هيئة كشف المنشطات، وإيميلي موجود لديهم، وعندما أسافر وأتنقل من دولة إلى أخرى أقوم بتزويدهم بالبرنامج؛ لأنهم قد يطلبون مني في أي وقت إجراء تحليل وليس شرطا أن تكون هناك سباقات حتى أحلل، فربما يطلبون عينة وأنا في إجازة، وهذا حق مشروع للهيئة طالما أنك مصنف كرياضي في سباقات الاتحاد الدولي لألعاب القوى. وفاء غير مستغرب • ماذا تقول عن تكريم النادي الأهلي لك؟ النادي الأهلي وفي مع أبنائه وليس غريبا على إدارة الأهلي تكريمي، وأنا مرتاح في النادي الذي يعد بيتي الأول. • كلمة أخيرة؟ أشكر صحيفة عكاظ على اهتمامها ومساندتها لي، وتكريمها ليس مستغربا على صحيفة رائدة في المملكة.