لا تملك إلا أن تضحك وأنت تراقب المشهد. مفكر روج لفكره ودافع عن أطروحته التنويرية بشراسة الفلاسفة، ثم عاد ليلعنها ويحرق معتنقيها بنار الفتنة. ولو اعتبرنا وهو ما لا يمكن التحييد عنه أن الإسلامية القائمة هي امتداد الصحوية السالفة، فالليبرالية المشؤومة حسب زعمه هي امتداد للمشروع الحداثي الذي كان يقاتل من أجله، حتى لو لم يكن كذلك. الكوميديا ليست هنا، إنها فيمن كانوا يعتبرونه كافرا مرتدا خائنا للأمة لسنوات طوال، وفي ليلة وضحاها أصبح قامة شامخة وأيقونة فكر يؤخذ منه ولا يرد عليه، وأصبحت أقواله مرجعية ودليل إدانة. وإذا أردت المزيد من الضحك، فقط تخيل لو انقلب عليهم مرة أخرى، ماذا سيكون موقفهم وكيف ستكون نهايته؟. الأجمل من ذلك في هذا السجال، قدرة هذا الرجل على هز الأفئدة وخلق الهتافات والتصفيق، وكأنه فريق كرة قدم في رأس رجل يمشي على قدمين. ففي الثمانينيات الميلادية أحدثت أطروحاته وكتبه حفلات من الصراخ والغضب بين الصحويين وصفق له غيرهم من الأطياف الحداثيين والقوميين وحتى الشيوعيين واليوم قلب المعادلة بضغطة زر، وأصبح عدوا لأصدقائه وصديقا لأعدائه. غير أن الفرق بين المرحلتين أنه في الأولى كان يمارس دوره كتنويري ضد التقليدية والأصولية وفي الثانية يتمترس بها. المتعمق في هذه الواقعة، يجد أنه يواصل عشقه لكسر الأنساق والبحث عن الضوء ولكن على طريقة بيدي لا بأيدهم هذه المرة. ودون أن يعي، قدم دورا مهما في تأكيد وجود الليبرالية كطيف حاضر وفلسفة بديلة وروج لها جيدا، حتى لو شوه صورة من يحاول الاختباء وراءها كحركة تنويرية أيا كان مسماها تستهدف مواجهة الأصولية والتطرف والإقصاء. وإذا تناولنا جوهر القضية، وأقر الجميع بما ذهب إليه بأن الليبراليين على اعتبار أنهم شريحة المثقفين والصحافيين في الذهنية السائدة سذج ومنتفعون وليس لديهم مشروع، فالإسلاميون لا يختلفون كثيرا عن ذلك، وإن كان الفريقان يدندنان على وتر الإصلاح دون أي إصلاح، فالأوضاع المجتمعية في تأزم والفكرية في تراجع محبط. إذن عودته دعوة لإعادة ترتيب الأوراق ليس إلا، وإن أدعت في ظاهرها مشروعا نقديا أو تصفية حساب عالق. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة